بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
خطر الخوارج على الدين والدنيا عظيم جدا، إذ أفسدوا فيهما غاية الإفساد، فلم يطبقوا الدين الصحيح المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يقيموا دنيا تعود عليهم وعلى غيرهم بالنفع، بل ينطبق عليهم قول الله تعالى : ” وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ” (البقرة :205
ولأجل ذلك حذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين صفاتهم في أحاديث كثيرة جدا، وحذر منهم الصحابة والتابعون والأئمة الأعلام
:ومن صفاتهم التي بينها النبي صلى الله عليه وسلم -واذكرها لكم مجموعة من الأحاديث النبوية الصحيحة
قوله صلى الله عليه وسلم: يَخْرُجُ فِيكُمْ وفي رواية (يَأْتِى فِى آخِرِ الزَّمَانِ) قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَىْءٍ يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينَ ثُمَّ لاَ يَعُودُونَ فِيهِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ ، يَنْظُرُ فِى النَّصْلِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا ، وَيَنْظُرُ فِى الْقِدْحِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا ، وَيَنْظُرُ فِى الرِّيشِ فَلاَ يَرَى شَيْئًا ، وَيَتَمَارَى فِى الْفُوقِ يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ
روى ألفاظ هذا الحديث البخاري ومسلم وغيرهم من أصحاب السنن
“قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث :” كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ
الرمية هي الطريدة من الصيد، فشَبَّهَ مُرُوقَهُمْ مِنَ الدِّينِ بِالسَّهْمِ الَّذِي يُصِيبُ الصَّيْدَ فَيَدْخُلُ فِيهِ وَيَخْرُجُ مِنْهُ وَمِنْ شِدَّةِ سُرْعَةِ خُرُوجِهِ لِقُوَّةِ الرَّامِي لَا يَعْلَقُ مِنْ جَسَدِ الصَّيْدِ بِشَيْءٍ ، ذكره ابن حجر وغيره في شرح الحديث
:فقد ذكر النبي صلى الله على الله عليه وسلم في وصفهم جملة من الصفات
“أولا : غلوهم في العبادة ، إذ قال ” تَحْقِرُونَ صَلاَتَكُمْ مَعَ صَلاَتِهِمْ ، وَصِيَامَكُمْ مَعَ صِيَامِهِمْ ، وَعَمَلَكُمْ مَعَ عَمَلِهِمْ ، لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَىْءٍ
وابن عباس رضي الله عنه لما ذهب لمناظرة الخوارج الذي خرجوا على علي رضي الله عنه قال في وصفهم : “وَأَتَيْتُ قَوْمًا لَمْ أَرَ قَوْمًا قط أَشَدَّ اجْتِهَادًا مِنْهُم , مُسَهَّمَةً وُجُوهُهُمْ مِنَ السَّهَرِ , كَأَنَّ أَيْدِيَهُمْ وَرُكَبَهُمْ ثَفِنٌ , عَلَيْهِمْ قُمُصٌ مُرَحَّضَةٌ
ولأجل هذه الصفة يغتر بهم الناس ويفتنون، ولذلك قال الإمام اللآجري محمد بن الحسين (360هـ) في كتابه الشريعة : لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله وإن صلوا وصاموا واجتهدوا في العبادة فليس ذلك بنافع لهم
“ثانيا : صغار السن ضعفاء العقول ، لا حكمة لديهم ولم تربهم الحياة، فقال: ” قَوْمٌ حُدَثَاءُ الأَسْنَانِ ، سُفَهَاءُ الأَحْلاَمِ
وهذا الوصف ظاهر مشاهد قديما وحديثا، فأغلب من ينتسب إليهم من الأغمار صغار السن، ومما يدلك على ذلك ما ذكره ابن كثير في البداية والنهاية وهو يصف خروج الخوارج في سنة من السنوات ” فكتبوا كتابا عاما إلى من هو على مذهبهم ومسلكهم من أهل البصرة وغيرها وبعثوا به إليهم ليوافوهم إلى النهر ليكونوا يدا واحدة على الناس، ثم خرجوا يتسللون وحدانا لئلا يعلم أحد بهم فيمنعوهم من الخروج فخرجوا من بين الآباء والأمهات والأخوال والخالات وفارقوا سائر القرابات، يعتقدون بجهلهم وقلة علمهم وعقلهم أن هذا الأمر يرضي رب الأرض والسموات، ولم يعلموا أنه من أكبر الكبائر الموبقات، والعظائم والخطيئات
“ثالثا: يستدلون على أعمالهم وأقوالهم بالشرع قال صلى الله عليه وسلم : ” يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ
ولكنها استدلالات مبنية على قواعد غير صحيحة، بل يتبعون المتشابه، ويتركون المحكم، ويحرفون النصوص وفق أهوائهم، وينقلون النصوص عن العلماء مبتورة محرفة
“رابعا :ومن أعمالهم ” يَقْتُلُونَ أَهْلَ الْإِسْلَامِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ
وهذا وصف ظاهر في الخوارج قديما وحديثا، فقتالهم موجه إلى المسلمين، ولذلك قاتلوا عثمان وعلي رضي الله عنهما، وتقربوا إلى الله بسفك دمهما
خامسا:وورد في السنة ما يدل على اعتناقهم للتكفير قَالَ رَسُولُ اللهِ – صلى الله عليه وسلم -: ” إِنَّمَا أَتَخَوَّفُ عَلَيْكُمْ رَجُلًا قَرَأَ الْقُرْآنَ , حَتَّى رُئِيَتْ بَهْجَتُهُ عَلَيْهِ وَكَانَ رِدْئًا لِلْإِسْلامِ , غَيَّرَهُ إِلَى مَا شَاءَ اللهُ، فَانْسَلَخَ مِنْهُ وَنَبَذَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، وَسَعَى عَلَى جَارِهِ بِالسَّيْفِ , وَرَمَاهُ بِالشِّرْكِ ” , قَالَ حُذَيْفَةُ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ , أَيُّهُمَا أَوْلَى بِالشِّرْكِ، الْمَرْمِيُّ أَمِ الرَّامِي؟ , قَالَ: ” بَلِ الرَّامِي
والتكفير أساس من أسس الخوارج لا ينفك عنهم بحال، وهو فتنتهم العظمى التي انطلقوا منها في استحلال ديار ودماء وأعراض وأموال المسلمين
:هذه بعض صفاتهم التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في السنة، بقي أن يقال
هل للخوارج وجود في عصرنا ؟
ومن هم ؟
هذا هو موضوع حلقتنا القادمة بإذن الله تتعالى
وفقنا الله جميعا لما يحيه ويرضاه