نشرت في صحيفة الإمارات اليوم بتاريخ 26/1/2013
مخالطة الناس ومجالستهم والاستماع لهم تفيد الإنسان فوائد كثيرة، فلكلٍّ أسلوبه في التفكير والحياة، فمهما كان الشخص الذي أمامك لو أصغيت له باهتمام ففي الأغلب ستستفيد منه كثيرا، وقد رأيت من الناس مواقف لازلت أتذكرها وبعضها أثر فيّ جدا، ورأيت أن من المناسب ذكرها للقراء الكرام.
أذكر أحد الآباء الكرام، الذي كان يطلب من ابنه طلبا ويرفض هذا الابن دائما هذا الطلب، فقال لي والده: قمت ليلة وقت السحر ودعوت الله كثيرا، فإذا بابنه يأتيه في الصباح دون أن يكلمه والده ويوافق على طلب الوالد، فانظروا إلى عظم شأن الدعاء وفضله وبركته، ومن هذا الباب أيضا أذكر إحدى الأخوات جاءتني تشتكي ابنها العاق، الذي يتطاول عليها دائما، وقد استنفدت معه جميع الحلول حتى وصل الأمر للشرطة فأوصيتها بملازمة الدعاء، خصوصا وقت السحر فإذا بها تأتيني إلى العمل برفقة ابنها فسألتها من هذا؟ قالت: هذا ابني وقد تاب وأناب وترك العقوق، ومن المواقف التي أعرف صاحبها شخصيا أن والده كان متزوجا بزوجتين، ثم توفي والده وتوفيت والدته وهو صغير جدا، فقال: لم أعرف أن هذه المرأة زوجة أبي إلا في الصف السادس الابتدائي من شدة إحسانها إليه، وكلمني مرة أحدهم عن والده، فقال: «يا شيخ تكلموننا عن بر الوالدين، وأنا عمري 27 سنة، ولم أرَ والدي فيها إلا مرتين، وهو على قيد الحياة إلى الآن»، فسألته: هل والدكم طلق الوالدة؟ فأجاب: لا، بل علقها منذ زمن بعيد فلا هي مطلقة ولا هي بزوجته من ناحية التعامل، ومع هذا أوصيته بالبر والإحسان إليه، لكن انظر إلى سوء فعل هذا الوالد وللأسف الشديد.
ومن المواقف التي رأيتها من أحد الكرام وهو مصاب بمرض السرطان، لكني حقيقة وصدقا رأيته كثير الثناء على الله، أزوره كثيرا فلم أسمع منه كلمة يشتكي فيها، بل دائما يقول: الحمد لله ويثني على الله، وقد رأيت مرة أحد الأشخاص أصيب أبناؤه بمرض نادر، سبب لهم تشوهاً كبيراً في أجزاء متفرقة من الجسم لما أراني صور أبنائه اقشعر جسمي من أثر التشوه الذي لحق بهم، لكن قال بعد ذلك: الحمد لله أنا أفضل من غيري!
ومن المواقف الطريفة التي مرت علي، أن أحدهم اتصل بي يسألني عن زميل له مشهور جدا بكثرة حسده للناس، فقلت له يعني صاحبك “ آر بي جي ” ؟ فقال: لا يا شيخ، هذا أشد، هذا ” ليزر ” ، لم يسلم منه أحد، ثم ذكر لي مواقف عجيبة رآها من هذا الرجل لا يكاد يصدقها الإنسان، فهنا طبعا لا يسعني إلا تذكير المتصل بالله وبأهمية قراءة المعوذات، وتدبر قوله تعالى: ( ومن شر حاسد إذا حسد ).