الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد
فلا يخفى على العاقل أن الإرهاب الإلكتروني ، والتطرف المعلوماتي ؛ من القضايا العالمية ، والمعضلات العصرية ؛ التي سلكتها الجماعات المنحرفة ، والطوائف الضالة ؛ لغسل أدمغة البسطاء ، وترويج الشبهات المسمومة بمكر ودهاء
ورغم سن القوانين الصارمة للحد من الجرائم الإلكترونية ، وكثرة المؤتمرات والبحوث العلمية حول المخاطر الإرهابية ، إلا أننا نجد انتشار الأفكار المنحرفة ، والأيدولوجيات المتطرفة ، لا سيما مع شدة تعلق الناس بالشبكات ووسائل التواصل ومواقع الفيديو المختلفة
وسأسلط الضوء في هذا المقال على الجانب الشرعي ، بذكر الصور التي يسلكها أصحاب الفكر التكفيري والتهييجي والجهادي ، والتي اتخذوها مع سائر الناس وخصوصا العنصر النسائي والشبابي ، للإغراء والتلبيس والتجنيد ونشر الفكر الإرهابي ، مع بيان الجانب العلاجي الوقائي
أما عن صور الإرهاب الإلكتروني ، ومداخل الفكر الحزبي ، فهي كالآتي
أولا : التشجيع على المظاهرات ، والاعتصامات ، والخروج على الحاكم ، وتبرير ذلك بأنه من وسائل الإصلاح ، وسبل تطوير المعيشة ، ورفع الظلم ، ونشر السعادة ، كما حدث تماما في ” الخريف العربي ” ، وكلما حدثت فتنة في بلد ينشط أهل الباطل عبر التقنيات الحديثة في ترويج وإشعال فتيل الثورات والتخريب
ثانيا : كتابة البيانات ، وحشد التواقيع ، من أكبر عدد من فئات المجتمع ، وتلميع ذلك بالشهادات ، تحت مسمى إنكار المنكر ، والنصيحة ، لولاة الأمر والدولة والمؤسسات المختلفة ، مع إيهام العامة بالكثرة العددية ، والألقاب العلمية ، لشحن القلوب ضد ولاة الأمر والدولة ، وهي طريقة حزبية ظهرت بعد حرب الخليج لزرع الفوضى والتشويش والفتنة
ثالثا : نشر الصور المؤثرة ، والمقاطع الصامتة ، لبعض المآسي ، أو عمليات الإرهاب والتفجير ، مقرونة بالأناشيد الحماسية ، والآهات الحزينة ، والمؤثرات العاطفية ؛ حتى تؤثر في نفوس الناشئة والنساء ، وكل من يغلب جانب العاطفة
رابعا : طرح بحوث ومنشورات في شبكات الإنترنت ، وفي مواقع خاصة ؛ لترويج الشبهات الخطيرة حول التكفير ، والجهاد ، والمعاهدين ، وغيرها من الأبواب ، مع ليِّ أعناق النصوص ، وبتر أقوال العلماء ؛ لتتوافق مع أهوائهم الحزبية
خامسا : محاولة التدرج مع بعض الفئات بعد كسب عاطفته ، والتأكد من جانبه ؛ للتواصل معه عبر البريد الخاص ، والهاتف المتحرك ، وتجنيده لصالح فكرهم الضال ، مع التركيز على فئة الشباب الذين لم يكتمل نضجهم ووعيهم
وبالأخص ما يسلكه أهل الباطل مع الناشئة من خلال جهاز ” البلاك بيري ” تحت مسميات وشعارات براقة زائفة
سادسا : نشر معلومات وخطوات عن طرق تصنيع الأجهزة الحارقة ، والمتفجرات اليدوية ، واستعمال السلاح ، والتفخيخ والألغام ، والأدوات الإرهابية
سابعا : ربط الشباب والنساء برموز الخوارج ، وقيادات الفكر الضال ، مع تلميعهم وإظهارهم في صورة العلماء المجاهدين الصادقين ، والتشكيك في العلماء الربانيين الحقيقيين ووصفهم بعدم فقه الواقع والتخاذل عن الجهاد ، ووصفهم بأنهم عملاء وجواسيس
ثامنا : تضخيم صور بعض المنكرات التي تقع في الدول ، ووصف هذه الدول بأنها تستحل هذه المنكرات ، والتكفير بهذه الذنوب على طريقة الخوارج وأهل البدع
تاسعا : ثلب الحكام والطعن فيهم علانية ، وفبركة الصور ضدهم ، ونشر المعلومات المغلوطة حولهم ، لشحن القلوب عليهم ، وتأليب الغوغاء ضدهم
عاشرا : تلفيق الشائعات ضد الدول الإسلامية ، وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات الدولية ، والمعاهدات العالمية ، ووصف الدول الإسلامية بأنها تحارب الإسلام ، وتوالي الكفار ، مع تحريف مسائل الولاء والبراء وفقه التعامل مع المخالفين
وهذه الصور نذكرها لتُعرف ، وتُحذر ، ويتفطن لها الآباء والأمهات وعموم الناس
أما صور العلاج والوقاية من هذه الصور الإرهابية فما يلي
أولا : غرس المبادئ الشرعية من خلال الخطاب الديني المعتدل الوسطي المتزن ؛ حول المسائل التي تمس الحاجة إليها ، مثل : حقوق ولاة الأمر ، ووجوب لزوم الجماعة ، وحرمة الخروج القولي والفعلي ، وحرمة الدماء ، وبيان الآثار السلبية للثورات والخروج عبر التأريخ والواقع
ثانيا : تبصير الناس بضبط مصادر التلقي ، فالدين أمر عظيم لا يأخذه الإنسان من مصادر مشبوهة ، ومواقع موبوءة ، وليس كل من تكلم في الدين عالم ، وكم من تجار للدين اتخذوه مطية لتمرير الباطل ، ونشر الضلال والانحراف ، وقد كشفت الأحداث الأخيرة في البلاد العربية النقاب عن كثير من دعاة الفتن
ثالثا : تذكير الناس بالنعم العظيمة التي حباها الله تعالى دولتنا الغالية ؛ من الأمن والأمان والاستقرار ، ورغد العيش ، وحثهم على شكرها ، والاتعاظ بحال الدول التي فقدت معاني الأمن ، والسعيد من وُعظ بغيره
رابعا : عدم الاغترار بالكثرة العددية ، وتفخيم صورة الباطل ببعض المسميات الفقاعية ، فالعبرة بموافقة الحق ، وليس بالكثرة ، ويكفي قول ربنا جل في علاه : ” وإن تطع أكثر من في الأرض يضلوك عن سبيل الله
خامسا : ضبط الحماس ، وترشيد الغيرة ، فالمواقف العاطفية لا تغير الأحكام الشرعية ، فالمسلم يغار ويتعاطف مع المسلمين في بقاع الأرض ، ولكن في ضوء الضوابط الشرعية ، والمقاصد المرعية
سادسا : التحذير من المواقع المشبوهة ، والشخصيات الضالة ، ودعاة الفتن ، والكتب الحزبية ، وكل ما كان مصدرا لتغذية الإرهاب ، ونشر الأفكار المنحرفة
سابعا : بيان الضوابط الشرعية الصحيحة لفقه الجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والتعامل مع الكفار ، والتحذير من الممارسات السلبية الفاجرة التي شوهت صورة الإسلام ، كالتفجيرات ، وقتل المعاهدين ، وتكفير الحكام والمجتمعات ، وغيرها من المغالطات
ثامنا : تعزيز جانب الرقابة الأسرية للأبناء ، واحتواؤهم ، ومناقشتهم ، وتربيتهم على قيم الإسلام الوسطي ، وتحذيرهم من أفكار الخوارج ، والتفطن لمن يقرأون ، وماذا يشاهدون ، ومع من يجلسون ، مع ضبط الأجهزة الذكية في البيت وفق آلية مميزة
تاسعا : مناصحة من ظهرت منه بوادر الأفكار الإرهابية ، بالحجة والبرهان والإقناع ، ومحاولة تبديد الشبهات التي جناها من مصادر مشبوهة ، وآلية المناصحة لها منهجية لا يتسع المقام لذكرها ، ولبعض الدول تجربة جميلة في هذا الباب
عاشرا : وضع فريق عمل متكامل ، ورسم خطة مدروسة ، مشتركة بين الجهات الأمنية والإعلامية والاجتماعية والدينية وأصحاب التخصص ، لعلاج الإرهاب الإلكتروني ، والتصدي لأي محاولة استقطاب أو تجنيد الشباب والنساء ؛ لصالح الفكر الضال
كتبه الدكتور صالح عبدالكريم في صباح يوم الاثنين بتاريخ 16 / 2 / 1436 ه الموافق 8 / 12 / 2014م