:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فقد قرأت ما كتبه الأستاذ سامي الريامي حول موضوع النقاب في مقاله : ” النقاب والتطرف أم الأمن والاعتدال ” في مقاله في صحيفة الإمارات اليوم ، ورغم معرفتي المسبقة وعلاقتي الطيبة بالأستاذ الكريم سامي الريامي فأرى أنه لا مانع من حوار الأستاذ الكريم في بعض النقاط والمسائل التي طرحها ، خاصة وأن المسألة التي طرحها فيها جانب شرعي كبير ، وقد طرح الأستاذ الكريم مقاله في صحيفة تصل لجميع البيوت ، فلا مانع من وجهة نظري من حواره علانية كما طرح مقاله علانية ، والحوار أمر مفيد للجميع ، خاصة إذا ابتعد عن ( الشخصنة ) ، وقبل البدء في الحوار أود أن أقرر بعض المسائل حتى تتضح الصورة للجميع
أولا : لم يختلف العلماء من المذاهب الأربعة في مشروعية تغطية المرأة لوجهها ، فهم متفقون على ذلك ، بل يرون أن تغطية المرأة لوجهها أعظم أجرا عند الله تعالى ، فحتى من ذهب إلى جواز كشف المرأة لوجهها يرى أن الأفضل للمرأة أن تغطي وجهها ، ومن أشهرهم في عصرنا الشيخ محمد ناصر الدين الألباني فهو قد كتب الكتب في عدم وجوب تغطية المرأة لوجهها ، ولكنه يقرر في كتبه بأفضلية تغطية المرأة لوجهها وكان يلزم نساءه بتغطية الوجه رحمه الله رحمة واسعة
ثانيا : تغطية المرأة لوجهها أمر مطلوب ومرغوب فقد تغطي المرأة وجهها بالغشوة المعروفة عند النساء أو تغطي وجهها بالنقاب أو بالبرقع ، وهذه نقطة قد لا ينتبه لها بعضهم ، فينقلون أقوال علماء من بلد معين في منع النقاب لأن هؤلاء العلماء عاشوا في بيئة لا تعرف النقاب أبدا ، فهم يقولون بتغطية الوجه ولكن من غير النقاب ، فما كانوا يفتون بحرمة تغطية المرأة لوجهها فهذا لم يقل به عالم معتبر.
ثالثا : ثبت في صحيح البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا تنتقب المحرمة ) فهذا دليل على أن غير المحرمة تنتقب ، وهذا دليل على مشروعية النقاب ، فمن زعم أن النقاب لا دليل عليه فقد أبعد جدا عن الصواب
وبعد هذه المسائل أرى أن أتوقف قليلا مع بعض ما كتبه الأستاذ سامي الريامي وأعلق على كلامه
:عنون الأستاذ الكريم لمقاله بعنوان
( النقاب أم التطرف أم الأمن والاعتدال )
وليت الأستاذ لم يخلط بين الأمرين فلا يمكن لأمر شرعي أن يكون سببا للتطرف ، وإذا أخطأ بعض الناس في تطبيق مسألة شرعية فلا يعني هذا أن يصبح الأمر شرعيا تطرفا ، فهذا أمر غير مقبول ، فتعميم الخطأ على الناس ليس بصواب ، وتغيير الحكم الشرعي لسوء تطبيق آحاد الناس للمسألة ليس بصواب أيضا
:قال الأستاذ سامي
( وعلينا الآن مناقشة هذه القضية بشيء من الصراحة والجرأة والموضوعية والتوازن أيضاً، وقبل أن يثير هذا النقاش أي إنسان، عليه وعلينا أيضاً أن نعرف أن النقاب لا علاقة له بالدين )
ليت الأستاذ لم يخض في غير تخصصه ، فهو قد أتى بشيء عجيب غريب ، ولو راجع فقط موقع دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي لوجد الفتوى الواضحة بخصوص النقاب ، فهو من الدين وله علاقة بالدين ، ومعروف قديما وحديثا عند العلماء ، وإلى الأستاذ الكريم هذه الفتوى المهمة من دائرة الشؤون الإسلامية بدبي
” وذلك ما لم تخش الفتنة، فإن خشيتها وجب عليها النقاب سداً لذريعة الفساد إجماعاً. ورأى غيرهم كالشافعية والحنابلة وجوب النقاب مطلقاً لأن الوجه مجمع المحاسن، وتتناوله الأدلة تناولاً مباشراً “
والفتوى كاملة على هذا الرابط
http://www.iacad.gov.ae/AR/Pages/FatwaAdvancedSearch.aspx
:قال الأستاذ
(فهو غير مفروض على المرأة المسلمة لا بآيات قرآنية ولا بأحاديث )
نعم هو غير مفروض على المرأة على قول جماعة من العلماء ، ولكن لابد أن ننتبه إلى أن علماء الدين متفقون على أفضلية تغطية المرأة لوجهها بالنقاب أو غيره ، فالنقاب نفسه غير مفروض ولكن هذا لا يعني أنه غير مشروع ، فلو قال قائل : صلاة الضحى غير مفروضة على المسلم لا بآيات قرآنية ولا بأحاديث ، فكلامه صحيح ولكن لا يعني هذا أن صلاة الضحى غير مشروعة ولو صلاها المسلم فلا أجر له ، فلابد من التفريق بين الأمرين
:قال الأستاذ
( كما أنه ليس من الموروث التقليدي الإماراتي، ولا يمت للزي النسائي القديم أو الحديث بأي صلة، هو في الواقع والتاريخ دخيل على مجتمع الإمارات، وهذا أمر لا خلاف عليه )
سامح الله الأستاذ الكريم ، فقد خلط بين أمرين ، فالنقاب ليس من الزي النسائي القديم ولكن هذا لا يعني أبدا أن النساء في الدولة قديما كن يكشفن وجوههن !! بل كن يلبس البرقع أو يضعن الغشوة وهذه أشد من النقاب فلا تظهر حتى العينين ، واذكر أني وقفت على صورة قديمة تصور دهشة امرأة تلبس البرقع الكبير الذي حاله مثل النقاب بل أشد وهي تشاهد امرأة أجنبية جاءت للدولة قبل الاتحاد وقد كشفت وجهها ، ومن شدة دهشتها وضعت !!يدها على رأسها
!!واذكر جيدا بعض العجائز كن لا يشاهدن التلفاز ويطلبن تحويله عن المكان خشية أن يراهن الرجال وهن في البيوت
فما ذكره الأستاذ من أنه لا خلاف عليه عكسه هو الذي لا خلاف عليه ، وقد جانب الصواب فيه.
:قال الأستاذ
(ومن يعتقد غير ذلك فهو إما متشدد، أو يتحدث بغير علم، أو مجادل يعشق الجدل العقيم)
للأستاذ سامي أن يأخذ بقول بعض العلماء في جواز كشف المرأة لوجهها ولكن ليس من حقه أبدا أن يصف من خالفه بهذه الأوصاف ، فالتشدد صفة مذمومة في الدين ، وصاحبها معرض للعذاب عند الله ، فكيف يصف مخالفه بذلك ؟! وصف غيره بأنه يتحدث بغير علم أو مجادل يعشق الجدل العقيم صفات ما كان ينغبي للأستاذ أن يطلقها على من يخالفه ، فما زال الناس يختلفون ويرد بعضهم على بعض في مختلف المسائل بكل أدب واحترام.
:قال الأستاذ
كثير من الجرائم والسرقات لم يتم اكتشاف فاعليها بسبب النقاب والقفاز، وهذه حقيقة مثبتة لدى الجهات الشرطية المختلفة في الدولة، وكثير من الرجال استغلوا النقاب لأغراض السرقة أو التسول أو التسلل إلى مجتمعات نسائية، إضافة إلى تجاوزات نسائية عديدة، آخرها القضية التي نحن بصددها الآن، والتي تبرهن وتثبت وتلخص مخاطر النقاب
استغلال بعض الناس لمسائل شرعية بشكل غير جيد لا يعني أبدا تحريم هذا الأمر الشرعي ، فلو استغل بعض الناس المسجد لأمور تخالف الدين فهل سنقول بإغلاق المساجد ومنع الصلاة فيها ، ولو استغل بعض الناس لمسائل التبرعات والصدقات بطريقة سلبية فهل سنقول بمنع التبرعات مطلقا ولو استغل بعض الناس لقضايا الميراث بشكل سلبي فهل سنعطل القسمة التي فرضها الله تعالى ، ولو استغلت بعض الأخوات لعدة المرأة المتوفى عنها زوجها بشكل غير جيد فهل نمنع العدة التي أوجبها الله على النساء ؟
فوجود الخطأ لابد أن يدفعنا لطرح حلول جديدة توافق شرعنا ودينا ولا تخالفه ، ومن هذه المسائل مسألة النقاب ، فوجود فئة قليلة للغاية تستغل تغطية المرأة لوجهها بطريقة خطأ هل يعني منع المرأة أن تغطي وجهها وهذه مسألة شرعية لم يختلف العلماء على مشروعيتها ؟! فعلاج الخطأ لا يمكن أن يكون بخطأ آخر
إن النقاب لا يعتبر ثغرة أمنية ، فالجرائم ترتكب من الرجال ويغطي كثير منهم وجهه بمختلف الأقنعة وتتمكن أجهزة الأمن القوية عندنا ولله الحمد من كشف المجرم في وقت قصير للغاية ، وليت الأستاذ الكريم سامي تكلم عن الجريمة نفسها وعن طرق توعية النساء خصوصا بضرورة الانتباه للجرائم النسائية وكيفية التعامل مع من يدخل أوساط النساء ويستغل ملابسهن لارتكاب الجرائم بدل مناقشة مسألة شرعية أبعد فيها جدا عن الصواب
اللهم وفقنا لكل خير واجعل عملنا خالصا لوجهك الكريم ، والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين