بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
فمن المعلوم لدى العقلاء بداهة أنّ أساس الرأي هو العلم، وأكبر آفاته الجهل، ويعظم الخطبُ لمّا يعتقد الجاهل في تخصص ما أنَّ لديه علماً فيه، فإنه سيفسدُ فيه ولا بدّ، وقديماً قيل: من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب
وبعض التخصصات من الخطورة بمكان أن يخوض غمارها من لا يتقن مبادئها وأسسها، فإن ضرره متحتم ولا بد، كالطب والسياسة ونحوها، فإن تحذلق متحذلق فيها بغير علم أتى بالعجائب
ومن هذه التخصصات التي ولجها من لا يتقنها أحكام الشريعة الإسلامية، إذ تفنن فيها بعض الجهلة وأنصاف المتعلمين وقطاع الطرق وحطاب الليل، فأتوا فيها بالمتناقضات، وأنكروا المسلمات الواضحات، وخاضوا في لجج بحارها فغرقوا وأوشكوا على الهلاك، وأهلكوا من معهم ممن اتبعهم، واغتر بغيهم
مع أن الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم- قد حذرا من الخوض في الشرع بلا علم، وتوعدا فاعل ذلك بالعقوبة الأليمة، قال تعالى : ” وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا” [الإسراء:36] ، وقال سبحانه: ” وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ، مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ.” [النحل:116-117
ولكن شياطين الإنس لم يعيروا هذا التهديد اعتبارا، بل تمادوا في غيهم وضلالهم، فصيروا من أنفسهم مفتين في نوازل الأمة والمسلمين، واتخذوا من وسائل التواصل الحديثة منبراً، ينشرون من خلالها جهلهم
فكلما نزلت بالمسلمين نازلة وفاقرة، خرجوا عليهم بجرأة قبيحة فأحلوا ما حرم الله، وحرموا ما أحل الله، ذامين من خالفهم، مع نسبتهم للدعشنة تارة، وللفكر الظلامي أخرى
مع رفعهم لبعض الشعارات الموهمة، التي تحتوي حقاً وباطلاً، وصدقاً وكذباً، فأغروا الناس بها، واغتر من لا علم له بحالهم بهم، فأيدوهم ونصروا أقوالهم، مع بعدهما عن الحق
وهذه حال أهل الضلال والزيغ كما وصفهم الله عز وجل بقوله : ” فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ. ” [آل عمران:7 ] ، فطفقوا يستدلون بآيات من الكتاب الحكيم، وبأحاديث من سنة سيد المرسلين، على أحكام يعلمون في قرارة أنفسهم مخالفتهما للشرع الحكيم
فإن قيل : ألا تكفي دلالة النصوص المذكورة على تقرير هذه الأحكام التي ترون بطلانها؟
الجواب: لا يكفي الاستدلال بالنص على تقرير الحكم حتى يكون النص صحيحاً، ووجه الاستدلال به صحيح كذلك، مع النظر في طريقة استدلال العلماء –رحمهم الله- به
ومع ذلك نجد الكثير من غير المتخصصين في العلوم الشرعية في وسائل التواصل الاجتماعي يتجرؤون على جناب الشريعة بالافتراء عليها، وذلك بتقرير أحكام لا تتفق مع أحكامها وأصول عقيدتها وما قرره الأئمة الأعلام، أو بنفي ما لا يتناسب مع توجهاتهم – حزبية كانت أو فكرية
وبعض الكتاب والمغردين ربما كتب له بعض أهل السوء ما يود نشره بين الناس ليفسد عليهم دينهم، فينشره باسمه لينال بذلك حظوة لدى القراء
وبعض الكتاب والمغردين –مع جهله بأسس الدين- يطعن في الإسلام – والإسلام بريء مما افتراه عليه- نتيجة توجهه الليبرالي، وذلك تحت شعارات مكتسبة من توجهات فكرية مخالفة للإسلام، كالتنوير والعلمانية والإلحاد
:وخطر هذه الفئة من الكتاب والمغردين كبير جدا، حيث أنهم
أ ) يشككون المسلمين في عقائدهم فيفسدون عليهم دينهم، وهذا من أكبر المفاسد والمكاسب التي يسعون إليها
ب ) يحرفون الناس عن تحقيق العبودية لربهم سبحانه وتعالى، فيتركون السنن بل يكرهونها، ويقبلون على البدع والمحدثات، فيتعبدون الله بغير ما شرعه
ج ) يسعون إلى مسخ هوية المسلم ودمجه في هوية أصحاب الملل الأخرى، حتى يشعر المسلم بالذل والمهانة والتخلف لكونه مسلما، ويشعر بالعزة والفخر كونه متشبها بغير المسلمين ، فتراه يلبس شعاراتهم ويعشق بلادهم بل وربما شاركهم في بعض شعائرهم
د ) يكمن خطرهم كذلك في أنّ بعضهم يعمل لجهات خارجية أو يخدم هذه الجهات بدون قصد بسبب توجهاته المنحرفة التي تتفق مع أهداف تلكم الجهات، ومن ثمّ ينفذون أجنداتها، وبعضهم يحمل بيعات في عنقه لتلكم الجهات، وبعضهم يسعى لتجنيد أبناء الوطن للانخراط في هذه الجهات وأخذ البيعة منهم، وفي هذا تهديد لأمن البلاد
هـ ) تكوين جمهور قوي لهم ولمنابرهم، وهذا يعطيهم قوة في الطرح، وقوة لآرائهم، بل قد تشكل هذه الجماهير المتابعة لهم ضغطاً إعلامياً -داخليا وخارجيا- للانتصار لآراء هؤلاء المغردين والكتاب ولو كانت مخالفة للدين وللنظام والقانون
:ولهذه الظاهرة – متفيهقة تويتر- أسباب منها
الأول: الأفكار المستوردة من الخارج، كالفكر الليبرالي والتنويري والإلحادي، فيسعى متبني هذا الفكر الذي يعيش في دولة إسلامية إلى نشر فكره، متستراً بنقد المتشددين الإسلاميين، مع رفعه لشعارات تغرّ القراء والمتابعين، كالعدالة والحرية والمساواة، ومحاربة الإرهاب
فيدس السم في العسل، ويشكك الناس في عقيدتهم وما عاشوا عليه من العادات والتقاليد التي تتوافق مع الشريعة الإسلامية
كما يحاولون محاربة السنن النبوية، بنسبة مطبقيها والداعين إليها إلى الفكر المتشدد، والفكر الظلامي، لينفروا عامة المجتمع عنهم، مع دعمهم للبدع والمحدثات، ودعوتهم إلى عدم التفريق بين الشرائع المختلفة، وهو ما يسمى في الاصطلاح ( وحدة الأديان) بل يرفضون إطلاق كلمة كافر التي أطلقها الله ورسوله على كل من لم يؤمن بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا
الثاني: الحزبية المقيتة التي تربى عليها هؤلاء الكتاب والمغردين، والتي تملي عليهم مناصرة الحزب والجماعة ولو على حساب تحريف أحكام الدين، وهو ما يسمى عند بعض الأحزاب بـ(فقه الحركة)
فيحق للمُنظّر في الحزب تغيير الأحكام الشرعية بما يتناسب مع سياسة الحزب
الثالث : الرغبة في الحصول على منافع خاصة من وراء الدفاع عن أصحاب الفكر المنحرف، أو أرباب الحزبيات، فتراه يتلون في كل زمن حسب المنفعة التي يبتغيها، ولو وقع في التناقض
الرابع: التقليد للغير وهم أتباع كل ناعق، ولا يدري أحدهم ما يقول أو ما يخرج منه، وإنما يُنظّرُ ويكتب في تويتر حسب ما يملى عليه، ومن هؤلاء أصحاب شهادات علمية عليا، ولكن حبه لمن قلده أعماه وأصمه عن الحق
الخامس: حب البعض للجدل والمراء ولو علم أنه على غير حق، ويسعى للظهور بذكر غرائب المسائل وشواذها
:وأما علاج هذه الظاهرة فيتحقق من خلال
أولا: نشر العقيدة الصحيحة المأخوذة من الكتاب والسنة وما عليه علماء الأمة من الصحابة والتابعين والأئمة الأربعة، في وسائل التواصل الاجتماعي وخصوصا تويتر
ثانيا: توعية المجتمع بخطورة هذه الأفكار والشبهات، والتحذير منها والرد عليها، على أن يتصدى لذلك أهل العلم من المتخصصين في العقيدة والفقه الإسلامي، ممن لا ينتمي لحزب ولا لفكر منحرف
ثالثا : توعية القراء حول من يتابعون في وسائل التواصل الاجتماعي ، فلا يتأثرون بكل ما يكتب باسم الإسلام، بل لا بد أن يعرف القارئ الكاتب وعلمه، وثناء أهل العلم عليه، فكما قال ابن سيرين –رحمه الله- إن هذا العلم دين فاعرفوا عمن تأخذون دينكم
وقال – صلى الله عليه وسلم – : ” إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا ، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا ، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا” رواه البخاري
وأخيرا أقول الصراع بين الحق والباطل مستمر، وأهل الباطل يسعون إلى نشر باطلهم بكل ما لديهم من قوة وأساليب، فعلى أهل الحق أن يبينوا الحق الذي معهم نصحا لله ولرسوله وللمؤمنين
وفقني الله وإياكم لما يحبه ويرضاه