:الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على رسوله المصطفى، وعلى آله وصحبه ومن اقتفى، أما بعد
فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: «كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَجْوَدَ النَّاسِ بِالخَيْرِ، وَكَانَ أَجْوَدُ مَا يَكُونُ فِي رَمَضَانَ حِينَ يَلْقَاهُ جِبْرِيلُ، وَكَانَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَلْقَاهُ كُلَّ لَيْلَةٍ فِي رَمَضَانَ، حَتَّى يَنْسَلِخَ، يَعْرِضُ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ القُرْآنَ، فَإِذَا لَقِيَهُ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ، كَانَ أَجْوَدَ بِالخَيْرِ مِنَ الرِّيحِ المُرْسَلَةِ»([1
وفي رواية: «فَيُصْبِحُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ لَيْلَتِهِ الَّتِي يَعْرِضُ فِيهَا مَا يَعْرِضُ، وَهُوَ أَجْوَدُ مِنَ الرِّيحِ الْمُرْسَلَةِ، لَا يُسْأَلُ شَيْئًا إِلَّا أَعْطَاهُ»([2
فرمضان الخير فيه يزداد، وخصال البر تكتمل، كان الزهري إذا دخل رمضان قال: “فإنما هو تلاوة القرآن، وإطعام الطعام” ([3
وفي الحديث عن زيد بن خالد الجهني رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَنْ فَطَّرَ صَائِمًا كَانَ لَهُ مِثْلُ أَجْرِهِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَنْقُصُ مِنْ أَجْرِ الصَّائِمِ شَيْئًا»([4
وهذا حث على الإطعام في رمضان، وعلى هذه السُّنة تنافس أهل الإحسان على مر الأزمان، ففي السير: كان حماد بن أبي سليمان يفطر كل يوم في رمضان خمسين إنسانا، فإذا كان ليلة الفطر، كساهم ثوبا ثوبا، وأعطى لكل واحد مائة درهم ([5
قال الشافعي رحمه الله: “أحب للرجل الزيادة في الجود في شهر رمضان، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولحاجة الناس فيه إلى مصالحهم، ولتشاغل كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم”([6
وبين الصيام وإطعام الطعام تناسب عظيم، فرمضان شهر يجود الله فيه على عباده بالرحمة والمغفرة والعتق من النار، والله تعالى يرحم من عباده الرحماء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «وَإِنَّمَا يَرْحَمُ اللَّهُ منْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ»([7])، فمن جاد على عباد الله، جاد الله عليه بالعطاء والفضل، والجزاء من جنس العمل
ومن ذلك: أن الجمع بين الصيام والصدقة من موجبات الجنة، كما في حديث عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ فِي الْجَنَّةِ لَغُرَفًا، يُرَى ظُهُورُهَا مِنْ بُطُونِهَا، وَبُطُونُهَا مِنْ ظُهُورِهَا» ، فَقَامَ أَعْرَابِيٌّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لِمَنْ هِيَ؟ قَالَ: «هِيَ لِمَنْ قَالَ طَيِّبَ الْكَلَامِ، وَأَطْعَمَ الطَّعَامَ، وَأَدَامَ الصِّيَامَ، وَقَامَ لِلَّهِ بِاللَّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ»([8])، وهذه الخصال كلها تكون في رمضان، فيجتمع فيه للمؤمن: الصيام والقيام والصدقة وطيب الكلام، فإنه ينهى فيه الصائم عن اللغو والرفث ([9
والصدقة من خصال التقوى الذي فرض الصيام لأجل تحصيلها
فجودوا أيها الصائمون يبارك لكم، وأنفقوا ينفق عليكم، وقدموا لأنفسكم تجدوه عند ربكم، كان أبوذر رضي الله عنه يقول: “يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق، صلوا في ظلمة الليل لوحشة القبور، وصوموا الدنيا لحر يوم النشور، وتصدقوا مخافة يوم عسير، يا أيها الناس إني لكم ناصح، إني عليكم شفيق”([10
([1]) متفق عليه.
([2]) رواه أحمد.
([3]) لطائف المعارف ص(318).
([4]) رواه أحمد، والترمذي، وابن ماجه.
([5]) انظر سير أعلام النبلاء (5/234 ،238).
([6]) لطائف المعارف ص(315).
([7]) متفق عليه.
([8]) رواه ابن خزيمة، وأبوداود في البعث، وقوام السنة في الترغيب والترهيب.
([9]) انظر لطائف المعارف ص(311 – 312).
([10]) رواه أحمد في الزهد.