نشرت في صحيفة الرؤية بتاريخ 7/1/2014
من نعم الله علينا في هذه الأزمان وجود أجهزة ذكية متنوعة ومختلفة فكم من معاملة يتم إنجازها بلمح البصر ونحن في بيوتنا بل أصبح العالم كله يتواصل عبر جهاز صغير لا تتجاوز مساحته نصف راحة اليد، ولكن ألا تشعرون أيها القراء الكرام أننا ندفع ضريبة كبيرة بسبب زيادة تعلقنا بهذه الأجهزة الذكية؟ فأصبحت حياتنا جافة لا مشاعر فيها ولا تواصل، بل أصبحنا لا نتكلم ولا نتحاور مع بعضنا في مجالسنا السابقة، وإنما نكتب بأصابعنا على هذه الأجهزة ونرى المقاطع التي ترسل من خلالها!
فعندما نكون في بعض المجالس نجد من يجلس وحده ويخرج جهازه الذكي ويراسل العالم ويبتسم ويضحك دون أن يكون معه أحد! وأما الحضور في المجلس فقد انشغل عنهم تماماً، وفي الرحلات العائلية نشاهد مجموعة من الشباب خصوصاً قد انشغلوا بأجهزتهم عن الموجودين وبدؤوا بالتغريد والخروج خارج السرب، والأدهى والأمر أن تكون فترات الجلوس مع الوالدين والزوجة والأبناء بهذه الطريقة! بل إذا أردت أن تعاقب الأطفال أو المراهقين عقاباً شديداً هذه الأيام فاحرمهم من أجهزتهم الذكية!
لست ضد التقنية وتطورها بل أحب هذا المجال وأرى أن أموراً كثيرة يمكن عملها من خلال الأجهزة الحديثة فهي توفر على الإنسان وقتاً وجهداً كبيرين، ولكن الخطأ أن تصبح أن نتعلق بهذه الأجهزة بشكل مخيف فتصبح حياتنا جافة لا مشاعر فيها ولا تواصل، فهنا لابد أن نتوقف وأن نحرص على أن تكون حياتنا هي الذكية، ولو سألنا أنفسنا ماذا نتابع عبر الأجهزة الذكية لوجدنا أننا نهدر وقتاً كبيراً في متابعة أمور لا قيمة لها في كثير من الأحيان، حتى أصبح بعضنا يعاني من قلق وضغوط نفسية وعصبية بل بعضهم قد يتعلق بها ويحرص عليها أكثر من حرصه على أداء الصلاة جماعة في المسجد ومن قراءة القرآن! فبعضهم يجلس في سيارته إذا جاء قبل الإقامة ولا ينزل منها وينشغل بهاتفه إلى وقت الإقامة ثم ينزل مسرعاً لإدراك الصلاة!
لقد كان الناس قبل هذه الأجهزة يعيشون حياة ذكية بالفعل فالأجواء مفعمة بالتواصل والتزاور ومشاركة الأرحام والآخرين الأفراح والأتراح، وأما الآن فنضيع أوقاتنا مع أجهزتنا ثم نشتكي من ضيق الوقت وكثرة المشاغل! مع أن بعضهم ينشغل بجهازه طيلة يومه، وحتى إن استيقظ من نومه فأول ما يحاول مسكه هو الهاتف لينظر ما الذي جد وما الذي جرى خلال نومه …ولا شك أن العمل له أثره السلبي في راحة الإنسان.
إن التخلي عن هذه الأجهزة في بعض الأوقات سيعيد للحياة رونقها وبهاءها وجمالها، جرب أن تجلس مع والدك أو والدتك ساعة كاملة أو أكثر دون أن تمسك هاتفك بل أنصحك أن تضعه في السيارة ثم تجلس معهما فإذا ركبت سيارتك ألق نظرة على هاتفك وستجد بأنه لم يفتك أي شيء وإنما الأمر فقط عادة تعودنا عليها، ولو جلس الآباء والأمهات مع أبنائهم بهذه الطريقة ولو جلس الزوج وزوجته والأجهزة بعيدة عنهم فستكون الحياة بإذن الله حياة ذكية وجميلة للغاية.
ولو جربنا أن نترك أجهزتنا وندخل بيوت الله بعد الأذان مباشرة ونقرأ شيئاً من القرآن بعد أداء صلاة السنة فإن مشاعر الراحة التي نسلمها ستكون أكبر وأعظم، فهي دعوة أوجهها لنفسي وإخواني وأخواتي: لا تتعلقوا بالأجهزة الذكية بل عيشوا الحياة الذكية.