في الصيحيحن عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا دخل العشر شد المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله”. شد المئزر فيه إشارة إلى ترك الجماع تفرغا للعبادة، ولأنه كان يعتكف والله تعالى يقول: “ولا تقبروهن وأنتم عاكفون في المساجد”، فهذا أمر مباح كان يتركه النبي صلى الله عليه وسلم لأجل الاجتهاد في العبادة في هذه العشر. وفيه إشارة إلى الجد والاجتهاد في العبادة، ولذلك كان يترك الطعام، وهو مباح آخر كان يتركه النبي في هذه العشر، فكان يواصل ولا يفطر ليله كله، وهذا خاص به، ولا يجوز لغيره، ولذلك نهى أصحابه عن المواصلة، فقالوا: إنك تواصل، فقال: “إني لست كهيئتكم إني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني”. وكان النبي يحيي ليله كله، أي كان لا ينام بالليل في هذه العشر، أما ما سواها من ليالي السنة فكان يخلطها بنوم، كما في الصحيحين عن عائشة رضي الله تعالى عنها أنها قالت: “ما رأيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قام ليلة حتى الصباح، وما صام شهرا متتابعًا إلا رمضانَ”، وهذا مباح ثالث كان النبي صلى الله عليه وسلم يتركه ليجتهد في هذه العشر. وكان النبي يوقظ أهله لينالوا الأجر معه، كما قال تعالى: “يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون”.