الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
“الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليبتليهم، قال سبحانه “الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ
“ومن صور هذا الابتلاء الافتراق الذي وقع في هذه الأمة، قال سبحانه : “وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِيمَا آتَاكُمْ
والفائدة من هذا الابتلاء التمحيص ليظهر الصادق من الكاذب والمؤمن من المنافق، وقوي الإيمان من ضعيفه ، قال تعالى ” أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ ، وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ
ولم يتركنا الله دون بيان لحال الفتن وسبيل النجاة منها، بل بين الله ورسوله صلى الله عليه وسلم طريق النجاة بأوضح الكلمات وأقوى الأمثلة، ولكن وجدت شبهات ، هذه الشبهات ابتدعها الشيطان، وزين لشياطين الإنس اتباعها حتى زاغت قلوبهم وضلوا عن الهدي النبوي ، قال تعالى ” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ،رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
فالله سبحانه أمر باتباع المحكم من الآيات، وأن يرد المتشابه إلى المحكم فينضبط الاستدلال، ولكن من زاغ قلبه وانحرف فكره فإنه يتبع المتشابه ويترك المحكم، ولذلك نحكم على من فعل ذلك بأنه زائغ القلب والقصد والإرادة
“وتأملوا كيف جاء دعاء ألوا الألباب مباشرة، مع اتباعهم للمحكم إلا أنهم يلجؤون إلى الله سبحانه ليعصمهم من الزيغ والضلال فقالوا : ” رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ
وهذا هو حال نبينا صلى الله عليه وسلم فكان يكثر من أن يقول : ” يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ” ، روى الترمذي عن شَهر بْن حَوْشَبٍ قَالَ قُلْتُ لأُمِّ سَلَمَةَ يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ مَا كَانَ أَكْثَرُ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا كَانَ عِنْدَكِ قَالَتْ كَانَ أَكْثَرُ دُعَائِهِ « يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ ». قَالَتْ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا لأَكْثَرِ دُعَائِكَ يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِى عَلَى دِينِكَ قَالَ « يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِىٌّ إِلاَّ وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ اللَّهِ فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ ». فَتَلاَ مُعَاذٌ (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا)
ومن جملة الابتلاء الذي أصيبت به الأمة ظهور الخوارج كلاب النار، فإنهم من أكبر الفتن التي أصيبت بها أمة الإسلام من الداخل
وسبب كونهم فتنة أنهم يلبسون لباس الدين، وينطقون باسم الدين، وشعاراتهم من الدين، فيغتر بهم من لا بصيرة له بهم، أو من زاغ قلبه واتبع هواه
ومن أسباب كونهم فتنة أنهم في ظهور مستمر، ولكن كلما ظهر قرن منهم قطع، حتى يخرج آخرهم مع الدجال، وإذ خرجوا في أرض أفسدوا فيها غاية الإفساد، فإن ضررهم يشمل الضروريات الخمس التي جاءت الشرائع بحفظها والدفاع عنها فإنهم يفسدون الدين ويقتلون الأنفس ويتلفون العقول وينتهكون الأعراض ويسلبون الأموال
ولقد حذر منهم النبي صلى الله عليه وسلم وبين صفاتهم في أحاديث كثيرة جدا، وحذر منهم الصحابة والتابعون والأئمة الأعلام
:وسأتكلم بإذن الله في الحلقات القادمة عن نقطة مهمة جدا وهي
من هو الخارجي ؟
وفقكم الله لما يحبه ويرضاه، ووقاكم شر الفتن ما ظهر منها وما بطن