بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
فقد ذكرت في المقالات السابقة خطر الفكر الخارجي على الدين والدنيا، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر منهم في أحاديث مستفيضة، وذكر صفاتهم وأشهر ما يتميزون به عن غيرهم، لأجل أن يحذرهم المسلمون، ويتجنبوا الانضمام إليهم
ثم ذكرت نقطة محورية هامة جدا وهي : من هو الخارجي ؟
وبينت بعض الصفات التي تجمع بين الخوارج قديما وحديثا، وسأتابع ذكر أخص الصفات التي يشتهر بها الخوارج، ومن من الجماعات المعاصرة أو الأشخاص قد سار على نهجهم واتصف بصفاتهم
: فمن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا
قتال المسلمين وترك الكفار
وقد أخبر عن هذه الصفة النبي صلى الله عليه وسلم فقال:” يقتلون أهل الإسلام وَيَدَعُونَ أَهْلَ الْأَوْثَانِ هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ ” متفق عليه
قال ابن تيمية رحمه الله في درء تعارض العقل والنقل (7/197): ” فإن الخوارج كانوا يقاتلون المسلمين ويدعون قتال الكفار وهؤلاء أعانوا الكفار على قتال المسلمين وذلوا للكفار فصاروا معاونين للكفار أذلاء لهم معادين للمؤمنين أعزاء عليهم
“وقال الآجري في الشريعة ص 41 : ” والخوارج هم الشراة الأنجاس الأرجاس، ومن كان على مذهبهم من سائر الخوارج يتوارثون هذا المذهب قديما وحديثا ، ويخرجون على الأئمة والأمراء ويستحلون قتل المسلمين
ومن تأمل تاريخ الخوارج وجد هذه الصفة متحققة فيهم، فجيشوا أعوانهم لقتال المسلمين، فقتلوا عثمان رضي الله عنه وهو معتصم في بيته يقرأ كتاب ربه، واستعدوا لقتال علي بن أبي طالب، وقاتلوه في معركة النهروان
وفي سنة (68 هـ ) ثار الخوارج على المسلمين فقاتلهم عمر بن عبيد الله بن معمر وانتصر عليهم
قال ابن كثير في البداية والنهاية (8/ 323) : ” وقد ركب عمر بن عبيد الله في آثارهم، فبلغ الخوارج أن مصعبا أمامهم وعمر بن عبيد الله وراءهم، فعدلوا إلى المدائن فجعلوا يقتلون النساء والولدان، ويبقرون بطون الحبالى، ويفعلون أفعالا لم يفعلها غيرهم
وفي سنة ( 82 هـ ) اقتتل الخوارج مع جيش الحجاج بقيادة المهلب بن أبي صفرة وقتل منهم في وقعة واحدة أربعة آلاف وثمانمائة
وفي سنة ( 107 هـ) خرج باليمن رجل يقال له عباد الرعيني فدعا إلى مذهب الخوارج واتبعه فرقة من الناس وحلموا فقاتلهم يوسف بن عمر فقتله وقتل أصحابه، وكانوا ثلاثمائة
وفي سنة (133 هـ ) قاتل السفاح طائفة من الخوارج جهزوا له سبعمائة رجل لقتاله، فقاتلهم فكسرهم وقهرهم …، وقتل أمير الخوارج الصفرية وهو الجلندي، وقتل من أصحابه وأنصاره نحوا من عشرة آلاف
هذه أمثلة استخرجتها من كتاب البداية والنهاية لابن كثير تبين لنا تحقق ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج من تسليط قوتهم وجيشوهم ضد الإسلام والمسلمين
وخوارج اليوم من القاعدة وداعش وأضرابهم من التكفيريين يسيرون في نفس الطريق، ويتصفون بذات الصفة
وخير دليل شاهد على ذلك ما يفعلونه من العراق وليبيا واليمن من قتال المسلمين وجيوشهم، وما يستهدفونه من مواقع بالتفجير، كما وقع في المملكة العربية السعودية ومصر وغيرها من بلاد المسلمين
بل يتقربون إلى الله بقتال جيوش الدول المسلمة قبل قتال جيوش أهل الكفر، فيصرحون في مؤلفاتهم بأن قتال العدو القريب أولى من قتال العدو البعيد، وقتال الكافر المرتد أولى من قتال الكافر الأصلي
قال فارس الزهرني – وهو أحد منظري الفكر الخارجي المعاصر- في رسالة له بعنوان (نصوص الفقهاء في أحكام الإغارة والتترس) ص 3 : ” اعلموا أن أعمال التفجيرات والكمائن: هي من الأعمال المشروعة سواء في دار الكفر الأصلي أو في دار كفر الردة كالسعودية والمغرب وباكستان، ومن فرق بين ذلك فهو إما من الجاهلين أو من علماء السلاطين
ويقول الخارجي أبو قتادة الفلسطيني كما هو منشور في جريدة الحياة في 15 صفر 1420هـ : ” نحن لا نريد أن نقاتل أمريكا، إلا إذا صالت علينا، وكانت هي البادئة بالقتال، بخلاف الأنظمة المرتدة في بلادنا التي يعتبر جهادها فرض عين على كل مسلم”
:ومن الأمثلة المعاصرة على أعمال الخوارج في بلاد المسلمين من القتل والتفجير ونحوه
قتال الخوارج كالجماعة الإسلامية المسلحة وغيرهم للجزائريين، فقد ذكرت الإحصائيات أنهم قتلوا ما يزيد على المائة ألف جزائري دون تفريق بين رجل وامرأة، كبير أو صغير، عسكري أو مدني
وشجعهم على ذلك الخارجي المدعو بأبي قتادة الفلسطيني، الذي أفتاهم بمشروعية قتل الذرية والنساء، بل وقتل الابن لأبيه وأخيه
: من أعمالهم التفجيرية في المملكة العربية السعودية
في 12 /5 /2003 3 سيارات مفخخة تستهدف 3 مجمعات سكنية يقطنها غربيون وعرب، في الرياض، قتل فيها 20 شخصا و194 إصابة
– 8 /11 /2003 تم تفجير مجمع المحيا السكني في شهر رمضان ، وكانت حصيلة هذا الهجوم 12 قتيل و 122 جريح من الابرياء
– 24/2/2006 أحبطت السلطات الأمنية محاولة فاشلة استهدفت معامل بقيق لتكرير النفط شرقي السعودية وهو أكبر معامل تكرير النفط في العالم، حيث حاول انتحاريون تفجير سيارتين كانوا يستقلانها، قبل أن تتمكن حراسات المعامل من قتلهم
هذه العملية لو تمت لقتل كل من كان في حدود عشرين كيلو من موقع الانفجار، ولقتل أهل بقيق جميعا
وهذه العلميات وغيرها تمت بتحريض من القاعدة وزعيمها الهالك، قال ابن لادن الخارجي: ” حرضنا الأمة لإخراج هذا العدو المحتل الغاصب لأرض الحرمين، فاستجاب من استجاب من الشباب ..وقد رفعوا رأس الأمة عاليا، فنحن ننظر إلى هؤلاء الشباب كأبطال عظام ومجاهدين اقتدوا برسولنا صلى الله عليه وسلم فنحن حرضنا وهم استجابوا ..” من كلمة ألقاها في شريط عام 1423 هـ
وبالأمس سمعنا عن تفجيرهم لبعض المساجد وقتل من فيها
أخيرا أذكركم إخواني بحديث النبي صلى الله عليه وسلم:« مَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ وَفَارَقَ الْجَمَاعَةَ ثُمَّ مَاتَ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً وَمَنْ قُتِلَ تَحْتَ رَايَةٍ عُمِّيَّةٍ يَغْضَبُ لِلْعَصَبَةِ وَيُقَاتِلُ لِلْعَصَبَةِ فَلَيْسَ مِنْ أُمَّتِى وَمَنْ خَرَجَ مِنْ أُمَّتِى عَلَى أُمَّتِى يَضْرِبُ بَرَّهَا وَفَاجِرَهَا لاَ يَتَحَاشَ مِنْ مُؤْمِنِهَا وَلاَ يَفِى بِذِى عَهْدِهَا فَلَيْسَ مِنِّى ».رواه مسلم
أذكركم بصفة من صفات المسلم قول الله تعالى : “فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ ” المائدة :54
وقول الله تعالى : “مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ” الفتح :29
والخوارج عكسوا الآية فصاروا : أعزة على المؤمنين أذلة على الكافرين
صاروا أشداء على المسلمين رحماء على الكفار
أذكركم بحرمة دم المسلم قال تعالى :وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ” النساء : 93
وفقنا الله لما يحيه ويرضاه