:الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على نبيه المصطفى وعلى آله وصحبه ومن به اقتفى، أما بعد
فمن المقرر عند علماء السنة أن للإمام إذا خشي من أحد فتنة أو سمع من أحد تثبيطا ونقدا عليه مما يقلل هيبته أن يتقدم إليه بما يردعه ويوقف شره والآثار والأقوال في هذا كثيرة منها أن الرجل الخارجي الذي طعن في قسمة النبي صلى الله عليه وسلم أراد الصحابة قتله فمنعهم حتى لا يقال إن محمدا يقتل أصحابه لا لأنه لا يستحق القتل …. وخبره في الصحيح.
وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة
قال النووي رحمه الله : “وأما قوله صلى الله عليه وسلم : “والتارك لدينه المفارق للجماعة” فهو عام في كل مرتد عن الإسلام بأي ردة كانت فيجب قتله إن لم يرجع إلى الإسلام قال العلماء: ويتناول أيضا كل خارج عن الجماعة ببدعة أو بغي أوغيرهما وكذا الخوارج والله أعلم
“وفي صحيح مسلم عن عرفجة الأشجعي رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:“إنه ستكون هنات وهنات فمن أراد أن يفرق أمر هذه الأمة وهي جميع فاضربوه بالسيف كائنا من كان
“وفي رواية: “من أتاكم وأمركم جميع على رجل واحد يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه
“قال النووي رحمه الله: “فيه الأمر بقتال من خرج على الإمام أو أراد تفريق كلمة المسلمين ونحو ذلك، ويُنهى عن ذلك فإن لم ينته قوتل وإن لم يندفع شره إلا بقتله فقتل كان هدرا
هذا في القتل تعزيرا عند عظم الفتن وأما ما دون ذلك فقال ابن أبي عاصم في كتابه المذكر ص (97):“على الإمام إذا بلغه أن قوما يجتمعون على أمر يخاف أن يحدث عن اجتماعهم ما يكون فيه فساد أن يتقدم إليهم ويوعدهم في ذلك وعيدا يرهبون به
“وقال ابن عقيل الحنبلي في الفنون (1/109): “لا يحسن في سياسة الملك العفو عمن سعى على الدولة بالخروج على السلطان
وقال الشوكاني رحمه الله في السيل الجرار (4/415) شارحا قول صاحب حدائق الأزهار: “ويؤدب من يثبط عنه، أو ينفى، ومن عاداه فبقلبه مخطىء، وبلسانه فاسق، وبيده محارب
قال: “وأما قوله “ويؤدب من يثبط عنه ” فالواجب دفعه عن هذا التثبيط، فإن كف وإلا كان مستحقا لتغليظ العقوبة والحيلولة بينه وبين من صار يسعى لديه بالتثبيط بحبس أو غيره، لأنه مرتكب لمحرم عظيم ، وساع في إثارة فتنة تراق بسببها الدماء، وتهتك عندها الحرم، وفي هذا التثبيط نزع ليده من طاعة الإمام،.. وأما قوله: “ومن عاداه .. إلخ” فلا يخفاك أن الممنوع منه إنما هو المعصية له وترك الطاعة في غير المعصية والخروج عليه لما تواتر من الأحاديث كما عرفت، ومن مقدمات الخروج عليه: ما تقدم ذكره من التثبيط وتهييج الشر وإذكاء ناره وفتح أبوابه
“وقال ابن الأزرق في بدائع السلك (2/45): “من السياسة تعجيل الأخذ على يد من يتشوق لذلك، وتظهر منه مبادئ الاستظهار به، وإن كان لا ينجح له سعي، ولا يتم له غرض
“وفي المنتظم لابن الجوزي أن خالد بن عبدالله القسري خطب يوم أن كان واليا على مكة فقال:“إني والله ما أوتى بأحد يطعن على إمامه إلا صلبته في الحرم
والآثار والأقوال في هذا كثيرة وما زال الحكام في كل زمان يأخذون بيد الحزم على كل مشغب على الولاية وعلى كل من بدرت منه بادرة فتنة حسما للمادة من أولها وقطعا للشر من أصله وكان العلماء يجاهدون معهم في ذلك ويصنفون التصانيف في فضله ولما أغفل مروان بن محمد الأموي هذا وقد ظهرت بوادر الشر من المشرق ولم يلتفت إلى استغاثات نصر بن سيار حتى تفاقم الأمر وأحيط به جعل يتلهف فقال له الخادم : من أغفل الصغير حتى يكبر والقليل حتى يكثر والخفي حتى يظهر وأخر فعل اليوم لغد حل به أكثر من هذا.
وقد برزت رؤوس الفتن في زماننا وكثر تشغيبهم فلما جاء الحزم استغاثوا بالمنظمات وتنادوا بالحقوق وألبسوا الحكام ثياب الجور بذلك وصرخ مثقفوهم بمنافاة ذلك للإسلام فأردت التنبيه على أن هذا ما اتفق عليه علماء السنة وسار عليه الأئمة حفاظا للدين ومراعاة لمصلحة المسلمين ومن قال بخلاف هذا فقد نادى على نفسه بالجهل والهوى ونصر الباطل بلاحجة ورد الحق بلا محجة ومن سمات آخر الزمان أن يتخذ الناس رؤوسا جهالا يفتون الناس بلا علم فيضلون ويُضلون.
فاللهم بصرنا بعيوبنا واجمع شملنا واهد ضالنا وقنا شر أنفسنا وشر أعداءنا وشر الفتن وأهلها إنك بالإجابة جدير،وأنت حسبنا ونعم الوكيل.