إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره , ونعوذ بالله من شرور أنفسنا , وسيئات أعمالنا , من يهده الله فلا مضل له , ومن يضلل فلا هادي له , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله أما بعد
فلا شك ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى خلق خلقه ليعبدوه وليؤمنوا به , وربنا سبحانه وتعالى حكيم عليم يبتلي عباده بالخير ويبتليهم بالشر فالمؤمن شاكر في الرخاء صابر عند البلاء فالفتن تمحص الإنسان وتظهر الصادق من الكاذب فالله تعالى يقول : ﴿ الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ ﴾ فهذه الابتلاءات تظهر معادن الرجال فمن من يكون ثابتا كالجبال ومنهم من يتقلب ومن ينتكس ويتغير نسأل الله العافية والسلامة
وفي الأزمنة المتأخرة تكثر الفتن كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ وَيَنْقُصُ الْعَمَلُ وَيُلْقَى الشُّحُّ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ
والسؤال المهم الذي ينبغي علينا أن نفكر فيه ما هو واجبنا تجاه الفتن والأزمات وكيف نتصرف في تلك الأوقات؟
:فالجواب
إن من رحمة الله بنا أن أرسل إلينا رسوله صلى الله عليه وسلم فبين نبينا عليه الصلاة والسلام كل شيء نحتاج إليه في ديننا , بين لنا آداب الطعام والشراب , وآداب قضاء الحاجة وغير ذلك فمن باب أولى أن يبين لنا رسولنا صلى الله عليه وسلم واجبنا تجاه الفتن والأزمات وهو الرؤوف الرحيم بنا قال الله تعالى : ﴿ لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ ﴾
وقال صلى الله عليه وسلم : ليس من عمل يقرب من الجنة إلا قد أمرتكم به ولا عمل يقرب من النار إلا وقد نهيتكم عنه
ومن أساليب النبي صلى الله عليه وسلم الدعوية العظيمة أنه إذا ذكر الشر ذكر المخرج منه ، فعندما يذكر الفتن يذكر صلى الله عليه وسلم كيف نواجه هذه الفتن فمن الأمور العظيمة التي ينبغي علينا أن نراعيها عند الفتن والأزمات ما يلي
:أ- الإقبال على العبادة
فالفتن من أوقات الهرج والمرج ، الكل مشغول بالكلام والحديث عنها , ماذا جرى ؟ وماذا حصل ؟
هذا يحلل وهذا يدلي برأيه وهذا يقول أظن وسمعت …
لذلك رغّب النبي صلى الله عليه وسلم في العبادة وقت الفتن والأزمات فقال عليه الصلاة والسلام :عبادة في الهرج كهجرة إليّ
:ب- الدعاء
فالمسلم حريص على تحقيق هذه العبادة العظيمة التي لها صلة كبيرة جدا بالإيمان بالله سبحانه وتعالى , فتجده منطرح بين يدي الله , فقير إليه محتاج إلى لطفه وكرمه ومنته
وفي عبادة الدعاء تبرأ الإنسان من حوله وقوته وإبعاد للعجب والغرور عنه وهذا أمر في غاية النفع وقت الفتن والأزمات ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يستعيذ بالله من شر الفتن فقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام : أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللَّهِ التَّامَّةِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَذَرَأَ وَبَرَأَ وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنْ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ
:ج- سؤال أهل العلم
فمن الأمور المحزنة والمؤسفة عند بعض الناس أنه لا يفقه شيئا في دين الله ولكنه يتكلم في الدين ويظن أن المسألة سهلة وهينة , صح عن عبدالرحمن بن أبي ليلى رحمه الله أنه قال :أدركت مائة وعشرين من الأنصار من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسأل أحدهم عن المسألة فيردها هذا إلى هذا وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى الأول
فانظر إلى ورع الصحابة الكرام رضي الله عنهم وعدم حرصهم على إجابة السؤال
لذلك إذا كان علمنا قليلا فالواجب علينا أن نسأل أهل العلم الثقات الراسخين وفي هذا امتثال لأمر الله سبحانه وتعالى والخير والبركة والسعادة والراحة والطمأنينة في إصابة أمر الله يقول الله تعالى ﴿ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ ﴾ وأهل الذكر هم أهل العلم
:د- الالتفاف حول ولي الأمر
فالنصوص الكثيرة العظيمة جاءت بوجوب طاعة ولاة الأمر ، لاحظ معي نفع الله بك أني قلت النصوص الكثيرة فطاعة ولاة الأمر مسألة شرعية دينية
قال صلى الله عليه وسلم : من أطاعني فقد أطاع الله و من عصاني فقد عصى الله و من يطع الأمير فقد أطاعني و من يعص الأمير فقد عصاني
فالواجب على المسلم أن يسمع ويطيع للأمير خاصة وقت الفتن
وتخيل المفاسد العظيمة التي ترتب على مخالفة ولي الأمر والفرقة والشقاق وقت الفتن والأزمات فالزم هذه القاعدة النبوية ففي ذلك الخير كله إن شاء الله
:هـ- اتهام الرأي والنفس
فمن الخطورة الكبرى في أوقات الفتن أن يُعجب الإنسان برأيه فيرى أنه هو الذي على الصواب وغيره على الخطأ وأن العلماء كلهم لا يفقهون شيئا وأنه هو العالم النحرير وهذا كله خطأ بين وقصور في العقل والتفكير قال عليه الصلاة والسلام : ثلاث مهلكات : شح مطاع وهوى متبع وإعجاب المرء بنفسه . وثلاث منجيات : خشية الله في السر والعلانية والقصد في الفقر والغنى والعدل في الغضب والرضا
بل قال في حديث عظيم كأنه يتكلم عن أوقات الفتن خاصة في زماننا : ولا تنازعن ولاة الأمر وإن رأيت أنك أنت
فحتى لو رأى الإنسان نفسه أنه قد بلغا مبلغا عظيما من العلم أو الخلق أو أي شيء آخر فلا بد أن يتهم نفسه وأن ينظر إلى نفسه نظرة احتقار وازدراء
:و- عدم الخوض في الفتن وعدم المشاركة فيها
يسارع بعض الناس عند حصول فتنة على المشاركة فيها ويزين لهم الشيطان ذلك وهذا كله مخالفة لسنة سيد البشر وسيد الخلق صلى الله عليه وسلم القائل : عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ
خاصة إذا كانت هذه الفتن تراق فيها الدماء ويقتل فيها الأبرياء فما عذرك أمام الله سبحانه وتعالى لو قتلت نفسا في هذه الأوقات ونبينا عليه الصلاة والسلام يقول : ما يزال المرء في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما
فالأمر والله خطير وقد عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى بعض الصحابة الكرام عهدا : إِذَا كَانَتْ الْفِتْنَةُ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَتَّخِذُ سَيْفًا مِنْ خَشَبٍ
وقال عليه الصلاة والسلام: سَتَكُونُ فِتَنٌ الْقَاعِدُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْقَائِمِ وَالْقَائِمُ فِيهَا خَيْرٌ مِنْ الْمَاشِي وَالْمَاشِي فِيهَا خَيْرٌ مِنْ السَّاعِي مَنْ تَشَرَّفَ لَهَا تَسْتَشْرِفُهُ وَمَنْ وَجَدَ فِيهَا مَلْجَأً فَلْيَعُذْ بِهِ
ومن الأمثلة العملية لخطورة المغامرة في أوقات الفتن ما قاله عليه الصلاة والسلام : مَنْ سَمِعَ بِالدَّجَّالِ فَلْيَنْأَ عَنْهُ فَوَاللَّهِ إِنَّ الرَّجُلَ لَيَأْتِيهِ وَهُوَ يَحْسِبُ أَنَّهُ مُؤْمِنٌ فَيَتَّبِعُهُ مِمَّا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ أَوْ لِمَا يَبْعَثُ بِهِ مِنْ الشُّبُهَاتِ
فالمسلم لا يغامر بأغلى ما يملك ألا وهو إيمانه بالله سبحانه وتعالى
:ز- عدم ترويج الإشاعات
فالفتن من أوقات انتشار الإشاعات وبعض الناس يصدق كل شيء يصدق أخبار الجرائد والصحف وقول فلان وفلان وكأن هذه الأمور من المسلمات ولا يعمل عقله في الموضوع أبدا فقد تلقّى الموضوع دون تفكير ونشره أيضا دون تفكير وبعضهم يحب أن يضيف على الموضوع شيئا من الإثارة فيزيد فيه قليلا ظانا أن هذه الزيادة لا حرج فيها وهذا لا يجوز
أين هذا الإنسان من رجل خاف الله تعالى فنطق بخير أو سكت ولم يتكلم بالشر
فنقل مثل هذه الإشاعات جرمه عظيم فمن أسباب عذاب القبر كما أخبر النبي عليه الصلاة والسلام : كذاب يكذب الكذبة فتبلغ الآفاق
أسأل الله أن يحفظنا من الفتن ما ظهر منها وما بطن ، والله الموفق