الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد :
فمن يقرأ في كتب التاريخ يجد أن الظروف الصعبة والأحداث العظام عصفت بمختلف مناطق العالم الإسلامي ، فأحيانا يتسلط أهل الشر وتقوى شوكتهم ، ومن أمثلة ذلك : صالح بن محمد الترمذي ، قال ابن حبان عنه في المجروحين : “كان رجل سوء ، مرجئا جهميا داعية إلى البدع ، يبيع الخمر ويبيح شربه ، وقد رشى لهم حتى ولوه قضاء ترمذ ، فكان سيفا على أهل الحديث ويؤدب من يقول الإيمان قول وعمل ، حتى أنه أخذ رجلا من الصالحين من أهل الحديث فجعل الحبل في عنقه وأمر أن يطاف به في الناس فينادى عليه ، وكان الحميدي يقنت عليه بمكة ، وإسحاق بن إبراهيم الحنظلي إذا ذكره بكى من تجرئه على الله عز وجل“.
ومن هذه الأمثلة أيضا : عضد الدولة فناخسرو بن حسن بن بويه الديلمي ، فهو قائل هذا البيت القبيح الشنيع في مدح نفسه :
عضد الدولة وابن ركنها … ملك الأملاك غلاب القدر
نعوذ بالله من غضبه
قال الحافظ الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء : ” فنحمد الله على العافية ، فلقد جرى على الإسلام في المائة الرابعة بلاء شديد بالدولة العبيدية بالمغرب، وبالدولة البويهية بالمشرق، وبالأعراب القرامطة فالأمر لله تعالى “.
ومع هذه الأحداث الجسمية أقبل السلف الصالح على تعلم الخير وتعليمه ، فلم تثنهم هذه الظروف عن نشر العلم والإقبال عليه ، ففي المدخل إلى السنن الكبرى للبيهقي : ” قيل لعبد الله بن المبارك: لو قيل لك لم يبق من عمرك إلا يوم ما كنت صانعا؟ قال: كنت أعلم الناس “.
وهذا الجواب من دقيق فقه ابن المبارك رحمه الله ، فمن علّم الناس العلم ظفر بالأجر المتتابع المتواصل الذي لا ينقطع بموت صاحبه بإذن الله تعالى.
ومن جميل عبارات السلف في بيان شدة الانشغال بالعلم أنهم قالوا في ترجمة الحافظ الكبير أبي طاهر السلفي : ” كان ببغداد كأنه شعلة نار في تحصيل الحديث ” ، وقيل في ترجمة أبي حامد الإسفراييني: “وأقام ببغداد مشغولا بالعلم حتى صار أوحد وقته ” ومن عجائب ابن حجر أنه أقام بدمشق مائة يوم فسمع فيها ألف جزء حديثي والجزء تقريبا في عشرين ورقة.
فهذه الهمم العظيمة من هؤلاء الأعلام تذكرنا بأهمية الانشغال بالخير والعلم في هذه الأيام خاصة ، فنحن في عصر فورة مواقع التواصل الاجتماعي ، والصوارف العظيمة ، فقد تمضي علينا الأوقات الكثيرة ونحن ننظر في هواتفنا ، والعمر يمضي ، والموفق من اغتنم فراغه في الطاعات ولم ينشغل عن الخيرات ، فمن الصور المؤلمة في أيامنا انصراف بعضهم عن الخير وعن الجدية في طلب العلم ، فجل قراءته في العلم إنما هي تغريدات وتعليقات من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ، ولو سألت بعضهم عن آخر كتاب قرأه لما وجدت منه جوابا ، وحجة كثير من الناس :ضيق الوقت وتزاحم المشاغل ، ولو حسب الواحد منا عدد الدقائق التي تمضي في متابعة ما يجري هنا وهناك من خلال الأجهزة الذكية لوجدنا أن الوقت فيه سعة وزيادة أيضا!
والأدهى من ذلك كله انشغال بعض أهل الخير عن العلم والتعليم ونشر الخير إلى الإغراق في مسائل السياسة فأصبحت حساباتهم سياسية أو دنيوية ، فلا تجد فيها الآيات والأحاديث وأقوال السلف والدعوة إلى التوحيد والسنة…
فالله الله في نشر العلم والخير والسنة والتوحيد وعلينا أن نثبت على ذلك ، فمن أراد الخير فعليه بالعلم والعمل والتعليم ، فالأيام تمضي ، والموت يأتي بغتة ، ومن جميل كلمات السلف الصالح ما علقه البخاري في صحيحه عن ربيعة بن عبدالرحمن رحمه الله:” لا ينبغي لأحد عنده شيء من العلم أن يضيع نفسه“.
فاللهم استعملنا في طاعتك وثبتنا على دينك
آمين