:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فهذه كلمات وقفت عليها سطرها ابن قيم الجوزية عليه رحمة الله تعالى في التحذير من جريمة شنيعة منكرة وهي عمل قوم لوط – نسأل الله العافية والسلامة – وكيف كان عقاب الله تعالى لمن أتى هذه الجريمة الشنيعة ، والكلام من كتاب : روضة المحبين
:قال ابن القيم رحمه الله تعالى
” كذلك ثم قصة العشاق أئمة الفساق وناكحي الذكران وتاركي النسوان وكيف أخذهم وهم في خوضهم يلعبون ، وقطع دابرهم وهم في سكر عشقهم يعمهون ، وكيف جمع عليهم من العقوبات ما لم يجمعه على أمة من الأمم أجمعين ، وجعلهم سلفا لإخوانهم اللوطية من المتقدمين والمتأخرين ، ولما تجرؤوا على هذه المعصية ومردوا ونهجوا لإخوانهم طريقا وقاموا بأمرها وقعدوا ضجت الملائكة إلى الله من ذلك ضجيجا ، وعجت الأرض إلى ربها من هذا الأمر عجيجا ، وهربت الملائكة إلى أقطار السموات ، وشكتهم إلى الله جميع المخلوقات وهو سبحانه وتعالى قد حكم أنه لا يأخذ الظالمين إلا بعد إقامة الحجة عليهم والتقدم بالوعد والوعيد إليهم ، فأرسل إليهم رسوله الكريم يحذرهم من سوء صنيعهم وينذرهم عذابه الأليم ، فأذن رسول الله بالدعوة على رؤوس الملإ منهم والأشهاد ، وصاح بها بين أظهرهم في كل حاضر وباد ، وقال فكان في قوله لهم من أعظم الناصحين : ( أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد من العالمين ) ثم أعاد لهم القول نصحا وتحذيرا ، وهم في سكرة عشقهم لا يعقلون ( إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون ) فأجاب العشاق جواب مَن أُركس في هواه وغيه ، فقلبه بعشقه مفتون ، و قالوا : ( أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون ) فلما أن حان الوقت المعلوم ، وجاء ميقات نفوذ القدر المحتوم أرسل الرحمن تبارك وتعالى لتمام الإنعام والامتحان إلى بيت لوط ملائكة في صورة البشر وأجمل ما يكون من الصور ، وجاؤوه في صورة الأضياف النزول بذي الصدر الرحيب ف ( سيء بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب ) وجاء الصريخ إلى اللوطية أن لوطا قد نزل به شباب لم ينظر إلى مثل حسنهم وجمالهم الناظرون ، ولا رأى مثلهم الراؤون ، فنادى اللوطية بعضهم بعضا : أن هلموا إلى منزل لوط ففيه قضاء الشهوات ! ونيل أكبر اللذات ! ، ( وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات ) فلما دخلوا إليه وهجموا عليه قال لهم وهو كظيم من الهم والغم وقلبه بالحزن عميم ( يا قوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد ) فلما سمع اللوطية مقاله أجابوه جواب الفاجر المجاهر العنيد ( لقد علمت ما لنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد ) فقال لهم لوط مقالة المضطهد الوحيد ( لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد ) فلما رأت رسل الله ما يقاسي نبيه من اللوطية كشفوا له عن حقيقة الحال ، وقالوا : هوّن عليك ( يا لوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك ) فسر نبي الله سرور المحب وافاه الفرج بغتة على يد الحبيب ، وقيل له : ( فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب ) ولما أبوا إلا مراودته عن أضيافه ولم يرعوا حق الجار ضرب جبريل بجناحه على وجوههم فطمس منهم الأعين وأعمى الأبصار ، فخرجوا من عنده عميانا يتحسسون ويقولون : ستعلم غدا ما يحل بك أيها المجنون ، فلما انشق عمود الصبح جاء النداء من عند رب الأرباب أن اخسف بالأمة اللوطية وأذقهم أليم العذاب ، فاقتلع القوي الأمين جبريل مدائنهم على ريشة من جناحه ورفعها في الجو حتى سمعت الملائكة نبيح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها ، فجعل عاليها سافلها وأتبعوا الحجارة من سجيل وهو الطين المستحجر الشديد ، وخوف سبحانه إخوانهم على لسان رسوله من هذا الوعيد فقال تعالى : ( فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد ) فهذه عاقبة اللوطية عشاق الصور وهم السلف وإخوانهم بعدهم على الأثر”
نعوذ بالله من غضبه وعقابه ومن النار
اللهم آمين