بسم الله الرحمن الرجيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
ذكرت في المقالات السابقة خطر الفكر الخارجي على الدين والدنيا، وكيف أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حذر منهم في أحاديث مستفيضة، وذكر صفاتهم وأشهر ما يتميزون به عن غيرهم، لأجل أن يحذرهم المسلمون، ويتجنبوا الانضمام إليهم
ثم ذكرت نقطة محورية هامة جدا وهي : من هو الخارجي ؟
وذكرت بعض الصفات التي تجمع بين الخوارج قديما وحديثا ، وسأتابع ذكر أخص الصفات التي يشتهر بها الخوارج، ومن من الجماعات المعاصرة أو الأشخاص قد سار على نهجهم واتصف بصفاتهم
:فمن الصفات المشتركة بين الخوارج قديما وحديثا
5 – اتباعهم للمتشابه من النصوص وترك المحكم، ورد النصوص التي تتعارض مع مذهبهم، وتفسيرهم للنصوص على وفق أهوائهم ومراداتهم الخاصة، فضلوا وأضلوا الناس.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذه الصفة في بعض الأحاديث التي ذكر فيها صفات الخارج ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: “يَخْرُجُ قَوْمٌ مِنْ أُمَّتِى يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَيْسَ قِرَاءَتُكُمْ إِلَى قِرَاءَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صَلاَتُكُمْ إِلَى صَلاَتِهِمْ بِشَىْءٍ وَلاَ صِيَامُكُمْ إِلَى صِيَامِهِمْ بِشَىْءٍ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ يَحْسِبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ ” رواه مسلم
قال الآجري -رحمه الله- في كتابه الشريعة : لم يختلف العلماء قديما وحديثا أن الخوارج قوم سوء عصاة لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، وإن صلوا وصاموا ، واجتهدوا في العبادة ، فليس ذلك بنافع لهم ، نعم ، ويظهرون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، وليس ذلك بنافع لهم ؛ لأنهم قوم يتأولون القرآن على ما يهوون ، ويموهون على المسلمين ، وقد حذرنا الله تعالى منهم ، وحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم ، وحذرناهم الخلفاء الراشدون بعده ” الشريعة (1/325 )
(وبين ذلك كذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فبوب البخاري في صحيحه بابا : (باب قَتْلِ الْخَوَارِجِ وَالْمُلْحِدِينَ بَعْدَ إِقَامَةِ الْحُجَّةِ عَلَيهِمْ
ثم قال : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَرَاهُمْ شِرَارَ خَلْقِ اللَّهِ وَقَالَ: إِنَّهُمُ انْطَلَقُوا إِلَى آيَاتٍ نَزَلَتْ فِى الْكُفَّارِ فَجَعَلُوهَا عَلَى الْمُؤْمِنِينَ
كما دلنا على ذلك قصة جابر بن عبد الله رضي الله عنهما مع رجال من الخوارج لما سمعوه يذكر حديث الشفاعة فاعترضوا عليه بقولهم : ” يَا صَاحِبَ رَسُولِ اللَّهِ مَا هَذَا الَّذِى تُحَدِّثُونَ وَاللَّهُ يَقُولُ (إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ) وَ (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا) فَمَا هَذَا الَّذِى تَقُولُونَ ؟
فرده رضي الله عنه إلى المحكم فقال له : أَتَقْرَأُ الْقُرْآنَ ؟
قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ: فَهَلْ سَمِعْتَ بِمَقَامِ مُحَمَّدٍ – عَلَيْهِ السَّلاَمُ – يَعْنِى الَّذِى يَبْعَثُهُ اللَّه فِيهِ.
قُلْتُ نَعَمْ
قَالَ فَإِنَّهُ مَقَامُ مُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- الْمَحْمُودُ الَّذِى يُخْرِجُ اللَّهُ بِهِ مَنْ يُخْرِجُ. رواه مسلم.
“ولما خرجوا على علي بن أبي طالب رضي الله عنه رفعوا شعار : لا حكم إلا لله ، مستندين فيه على قول الله تعالى : ” إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ ” سورة الأنعام :57. فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه : ” كلمة حق أريد بها باطل
فروى مسلم في صحيحه عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّ الْحَرُورِيَّةَ لَمَّا خَرَجَتْ وَهُوَ مَعَ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالُوا لَا حُكْمَ إِلَّا لِلَّهِ
“قَالَ عَلِيٌّ: كَلِمَةُ حَقٍّ أُرِيدَ بِهَا بَاطِلٌ، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَصَفَ نَاسًا إِنِّي لَأَعْرِفُ صِفَتَهُمْ فِي هَؤُلَاءِ يَقُولُونَ الْحَقَّ بِأَلْسِنَتِهِمْ لَا يَجُوزُ هَذَا مِنْهُمْ وَأَشَارَ إِلَى حَلْقِهِ
ومما يدل على اتصاف الخوارج بهذه الصفة ما روي عن سعيد بن جبير –رحمه الله- قال : مِمَّا يَتَّبِعُ الْحَرُورِيَّةُ مِنَ الْمُتَشَابِهِ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} وَيَقْرِنُونَ مَعَهَا: {ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} ، فَإِذَا رَأَوُا الْإِمَامَ يَحْكُمُ بِغَيْرِ الْحَقِّ قَالُوا: قد كفر، ومن كفر عَدَلَ بِرَبِّهِ؛ فَقَدْ أَشْرَكَ، فَهَذِهِ الْأُمَّةُ مُشْرِكُونَ فَيَخْرُجُونَ فَيَقْتُلُونَ مَا رَأَيْتُ، لِأَنَّهُمْ يَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الْآيَةَ ” رواه الآجري في كتابه الشريعة (1/341)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان هذه الصفة: ” فَالْخَوَارِجُ كَانُوا يَتَّبِعُونَ الْقُرْآنَ بِمُقْتَضَى فَهْمِهِمْ” مجموع الفتاوى “(28/ 483
وقال : “فَاَلَّذِينَ أَخْطَئُوا فِي الدَّلِيلِ وَالْمَدْلُولِ – مِثْلُ طَوَائِفَ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ – اعْتَقَدُوا مَذْهَبًا يُخَالِفُ الْحَقَّ الَّذِي عَلَيْهِ الْأُمَّةُ الْوَسَطُ الَّذِينَ لَا يَجْتَمِعُونَ عَلَى ضَلَالَةٍ كَسَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا وَعَمَدُوا إلَى الْقُرْآنِ فَتَأَوَّلُوهُ عَلَى آرَائِهِمْ. تَارَةً يَسْتَدِلُّونَ بِآيَاتِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ وَلَا دَلَالَةَ فِيهَا وَتَارَةً يَتَأَوَّلُونَ مَا يُخَالِفُ مَذْهَبَهُمْ بِمَا يُحَرِّفُونَ بِهِ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَمِنْ هَؤُلَاءِ فِرَقُ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ وَالْجَهْمِيَّة…” مجموع الفتاوى (13/ 356
وفي زماننا يتكرر ذات الأمر من قبل خوارج العصر كالقاعدة وداعش والنصرة وجماعات التكفير ، فإنهم يستدلون بالمتشابه من النصوص على أفعالهم ولا يردون هذه النصوص إلى المحكم ليتضح الحكم الصحيح ، كما أنهم يفسرون النصوص وفق أهوائهم وأغراضهم الخاصة ، ولا ينظرون إلى جميع أدلة المسألة وإنما يقتصرون على ما يوافق أعمالهم ، ومن أمثلة ذلك
أ – جمعوا الأدلة من الكتاب والسنة مع تحريف الاستدلال بها في تقرير مذاهبهم، فقرروا –مثلا- جواز قتل الأطفال والنساء مستدلين بقول الله تعالى :” وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا (26) إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا” (سورة نوح : 26-27 ) ، فحكموا بكفر الآباء ثم وضعوا لازما وهو كفر الأبناء
في حين أن الشريعة الإسلامية تنهى عن قتل الأطفال والنساء في الحروب فضلا عن قتلهم بمجرد اللوازم
فعن بريدة رضي الله عنه قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- إِذَا بَعَثَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ أَوْصَاهُ فِى خَاصَّةِ نَفْسِهِ بِتَقْوَى اللَّهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرًا وَقَالَ « اغْزُوا بِسْمِ اللَّهِ وَفِى سَبِيلِ اللَّهِ قَاتِلُوا مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ وَلاَ تَغُلُّوا وَلاَ تَغْدِرُوا وَلاَ تُمَثِّلُوا وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيدًا ” رواه الترمذي
وعند البخاري من حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة أسر خبيب قال : “فَانْطُلِقَ بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا بَعْدَ وَقْعَةِ بَدْرٍ ، فَابْتَاعَ بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلٍ خُبَيْبًا ، وَكَانَ خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ الْحَارِثَ بْنَ عَامِرٍ يَوْمَ بَدْرٍ ، فَلَبِثَ خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا قَتْلَهُ ، فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا فَأَعَارَتْهُ ، فَدَرَجَ بُنَىٌّ لَهَا وَهْىَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ ، فَوَجَدَتْهُ مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ قَالَتْ فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا خُبَيْبٌ فَقَالَ أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ مَا كُنْتُ لأَفْعَلَ ذَلِكَ قَالَتْ وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا قَطُّ خَيْرًا مِنْ خُبَيْبٍ
فتأملوا فعل هذا الصحابي الذي أخذ العلم من النبي صلى الله عليه وسلم، مع طفل لقوم مشركين قد عزموا على قتله يقينا، والسلاح بيده، ثم يتورع عن قتله
وخوارج اليوم يعيشون في بلاد الكفار ومع ذلك يفتون بقتل الأطفال والنساء في بلاد الإسلام
كما قرروا مشروعية تكفير الحكام ورعيتهم وقوات الجيش والشرطة وجواز استهداف المنشآت النفطية ببلاد المسلمين ، وقتل المعاهدين والمستأمنين ، مستدلين على ذلك بآيات وأحاديث قد حرفوا معانيها واستدلالاتها
ب – استدلوا على أفعالهم الإجرامية ببعض آيات الجهاد ووجوب قتال المشركين والمرتدين، وتركوا الأحكام الأخرى المتعلقة بالجهاد والتي ذكرها العلماء كضوابط وشروط وأركان للجهاد، وذلك لأنها لا تتلاءم مع أفعالهم
فالجهاد له مقاصد وحِكم وغايات لأجلها شرع الله الجهاد وأمر به، فإن كان القتال سيؤدي إلى نقيض هذه المقاصد والحكم والغايات فإنه يكون غير مشروع
:وأضرب لكم مثالا
من مقاصد الجهاد حماية المساجد وأهلها، قال تعالى : ” وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ ” سورة الحج 40
قال المفسر السعدي رحمه الله في تفسير الآية :” فلولا دفع الله الناس بعضهم ببعض، لاستولى الكفار على المسلمين، فخربوا معابدهم، وفتنوهم عن دينهم، فدل هذا، أن الجهاد مشروع، لأجل دفع الصائل والمؤذي، ومقصود لغيره، ودل ذلك على أن البلدان التي حصلت فيها الطمأنينة بعبادة الله، وعمرت مساجدها، وأقيمت فيها شعائر الدين كلها، من فضائل المجاهدين وببركتهم، دفع الله عنها الكافرين ” تفسير السعدي (ص: 539)
فأتى الخوارج من تنظيم القاعدة وداعش فاستدلوا بآيات الجهاد على جواز تفجير المساجد وقتل من فيها من المصلين، كقوله تعالى : ” وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ” البقرة :191
مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “إني نهيت عن قتل المصلين ” رواه أبوداود
ج– يقول أبو مصعب السوري في كتابه ” مختصر شهادتي على الأوضاع في الجزائر ص31″ – وهو مؤرخ الخوارج – : تولى أبو قتادة سياسة التبرير الشرعي لكل ما يصدر عن الجماعة المسلحة، ثم انتقل لمرحلة الفتوى والتأصيل الشرعي لطاماتها المتلاحقة
فتأمل رحمك الله كيف أنهم – وباعتراف بعضهم- يلجؤون إلى نصوص الشرع لتبرير ما يصدر عن الجماعة الخارجية من طامات تخالف أصول الدين.
: وأخيرا أقول
إن من أكبر أسباب ضلال القوم وإضلالهم لغيرهم اتباعهم للمتشابه من النصوص وعدم ردها إلى المحكم، وأخذ بعض الأحكام التي تناسب فقه الحركة لديهم كما قرره سيد قطب في تفسيره وترك بقية الأحكام، والأخذ بعمومات النصوص التي قد خصصت، واتباع فهمهم الخاص للنصوص الشرعية مع استبعاد فهم السلف لها
وهذه الأمور تبين أنهم أهل زيغ وانحراف عن الشريعة كما حكم عليه الله سبحانه وتعالى حيث قال : ” هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ” آل عمران: 7
فذكر الله سبحانه أن من علامة أهل الزيغ اتباع المتشابه من النصوص وعدم ردها إلى المحكم، ولو ردوها إلى المحكمات لاستبان الحكم واتضح الطريق
قال الشوكاني –رحمه الله – : ” قَوْلُهُ: ( فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشابَهَ مِنْهُ ) أَيْ: يَتَعَلَّقُونَ بِالْمُتَشَابِهِ مِنَ الْكِتَابِ، فَيُشَكِّكُونَ بِهِ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَيَجْعَلُونَهُ دَلِيلًا عَلَى مَا هُمْ فِيهِ مِنَ الْبِدْعَةِ الْمَائِلَةِ عَنِ الْحَقِّ، كَمَا تَجِدُهُ فِي كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ الْبِدْعَةِ، فَإِنَّهُمْ يَتَلَاعَبُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ تَلَاعُبًا شَدِيدًا، وَيُورِدُونَ مِنْهُ لِتَنْفِيقِ جَهْلِهِمْ مَا لَيْسَ مِنَ الدَّلَالَةِ فِي شَيْءٍ
( قَوْلُهُ: (ابْتِغاءَ الْفِتْنَةِ) أَيْ: طلبا منهم لفتنة الناس في دينهم والتلبيس عليهم وإفساد ذات بينهم ، (وَابْتِغاءَ تَأْوِيلِهِ) أَيْ: طَلَبًا لِتَأْوِيلِهِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يُرِيدُونَهُ وَيُوَافِقُ مَذَاهِبَهُمُ الْفَاسِدَةَ” ا.هـ فتح القدير للشوكاني (1/ 361
ومن كانت هذه حاله فإنه يحذر ويحذر منه، عَنْ عَائِشَةَ – رضى الله عنها – قَالَتْ تَلاَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – هَذِهِ الآيَةَ ( هُوَ الَّذِى أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِى قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ ) إِلَى قَوْلِهِ ( أُولُو الأَلْبَابِ ) قَالَتْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ – صلى الله عليه وسلم – « فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ، فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللَّهُ ، فَاحْذَرُوهُمْ » متفق عليه
وفقنا الله لما يحبه ويرضاه