الحمد لله وحده ، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده ، أما بعد : فقد أنعم الله علينا ببعثة النبي المصطفى ، والرسول المجتبى محمد صلى الله عليه وسلم ؛ الذي أكمل الله به الرسالة ، وأتم به النعمة ، وأقام الحجة ، وترك الناس على مثل المحجة ، واختار الله تعالى له صحبا كراما ؛ هم خير أصحاب لخير نبي ، ضحوا بأنفسهم وأموالهم لأجل الدين ، ونقله لمن جاء بعدهم ، ثم جاء من بعدهم تابعون ؛ زكاهم النبي صلى الله عليه وسلم جمعيا بقوله : ” خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ” ؛ وسار هؤلاء التابعون على طريقة من سبقهم ، وتمسكوا بمنهجهم ؛ فكان أولئك الأخيار خير سلف لخير خلف ؛ وأطلق عليهم ” السلف الصالح ” ، وأضحى من سار على نهجهم وطريقتهم ينسب إليهم ويقال عنه ” سلفي
فهذه النسبة اسم من الأسماء النبيلة ، له دلائل ومعان واضحة وجليلة، وما تزال معركة الأسماء النبيلة قائمة منذ فجر التاريخ إلى اليوم، إذ ما من اسم نبيل إلا وطالته عوادي التشويه الحاقدة ، والدعاية المغرضة، فالأنبياء عليهم السلام طالتهم التهم الفاجرة، وأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم رموا بالأحكام الجائرة، وأئمة الإسلام ألقيت عليهم الألقاب الآثمة ، و نسبت لهم الأقاويل الباطلة ، تزويرا للحقائق الشارقة ، وتنفيرا للناس عنهم وعن سبيل دعوتهم الصادقة
ولقب ” السلفية ” لا يختلف ولن يختلف شأنه عن شأن الأسماء النبيلة التي سبقته، فمرة ينسب إليها – كذبا وزورا – التفجير والتقتيل والإرهاب تحت مسمى ” السلفية الجهادية ” ، وعليه فكل أعمال ” داعش ” تنسب إلى السلفية
ومرة ينسب إليها الدخول في العملية السياسية الحزبية ، والمصارعة على كرسي الرئاسة ، تحت مسمى ” السلفية الإصلاحية” ، وعليه فكل صراعات وأكاذيب وقبائح ” حزب النور المصري ” ، و” حزب الرشاد ” وغيرهما تنسب إلى السلفية
وهذه كلها محاولات لاختطاف هذا الاسم وتشويه معالمه . وأما الحقيقة فبعيدة تمام البعد عن كل هذه النسب الباطلة ، فمجرد الانتساب والدعاوى بلا بينات لا تجدي في عالم الحقيقة ؛ والعجيب أن الجميع يدرك ويعلم أن داعش التي تنسب إلى السلفية ، وكذلك الجماعات الجهادية التكفيرية إنما هي صنيعة استخباراتية ، صنعتها دول عظمى لأجل الصراع الطائفي ، فهم يقتلون أهل الإسلام ويدعون غيرهم !! أليس هذا من أعظم الجور والظلم ، وأكبر أنواع الخداع والكذب ؟؟
ولا شك أن الانتساب لسلف الأمة فخر وعزة ، ولكن ليس كل من انتسب إليها صادق في هذه الدعوى ؛ فعند التحقيق يقال : ” هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ” ، ويقول الشاعر
والدعاوي ما لم يقيموا عليها … بينات أصحابها أدعياء
والعبرة بتحقق الوصف وسلامة السير وليس مجرد الاسم واللقب والنسبة
فكم من مسميات جديدة قذفتها الساحة : من سلفية جهادية وقتالية وعلمية وسياسية ! ولكن إن جئت إلى حقيقتها وجدتها بعيدة عن منهج السلف ؛ وبعضها ألقاب تنفيرية من منهج السلف : ” كالسلفية المتشددة ” ! والبعض قد ينتسب لتمرير فكر نشاز ؛ لأنه يدرك أثر هذا الانتساب
ومع هذا الخلط ، والتناقض والخبط ؛ كان لا بد من إيضاح حقيقة السلفية ، وبيان بعض المعالم المنهجية ؛ منعا لتشويه صورة الحق النقية ، وصدا لمن يصطاد في المياه العكرة الخفية
فالسلفية منهج وطريقة خلاصتها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” ما أنا عليه اليوم وأصحابي ” ، وليست حزبا أو تيارا أو تنظيما أو حركة كحال الجماعات العصرية الحادثة
السلفية تؤمن أن السياسة من الدين ؛ ولكن السلفية تحترم اختصاص غيرها، فلا تقحم نفسها فيما ليس من تخصصها، فالسياسة لها رجال مختصون يختارهم الحاكم من الوزراء والساسة، وأهل الإدراك والخبرة في العمل السياسي ، ولذلك لا يخوض غير المتخصص في المعترك السياسي ، وليس هو ميدانه الذي يسرح فيه ، حتى قال بعض علمائهم : من السياسة ترك السياسة
السلفية تعظم من شأن ولي الأمر، ومنزلته، ومكانته، لأنه أصل كل صلاح في المجتمع، وتدعو دوما للسير تحت مظلته ، ولزوم بيعته ، ومراعاة هيبته ، والحفاظ على استقرار الدولة ، ولزوم الجماعة ، فالسلفي قائده حاكم البلد ؛ لا يحكمه أي مرشد من داخل الدولة أو خارجها ، وجماعته التي يلتجئ لها ويأوي إليها هي الدولة المسلمة نفسها التي يعيش فيها ليس له جماعة سواهم، فيفخر بالسمع والطاعة لحاكمها، والانتساب لجماعتها ودولتها ، والعمل تحت رايتها
السلفية طريقة معلنة ظاهرة ، لا تؤمن بالعمل السري ، والنشاط المبطن ، وتحارب التنظيمات السرية ، والخلايا الحزبية ؛ لأنها تفريق للنسيج المجتمعي الواحد ، وخروج عن النظام الشرعي ، فهي تنطلق من قول النبي صلى الله عليه وسلم : ” عليك بالعلانية وإياك والسر
السلفية تربط الناس بالكتاب والسنة بفهم سلف الأمة ؛ وليست دعوة حماسية ، ولا طريقة عاطفية ، بل هي توحيد وسنة ، وعلم وعمل ، ومنهج وسلوك ؛ هي مفاد قول الله تعالى : ” ادخلوا في السلم كافة
السلفية تدعو للوحدة والائتلاف ، وتحذر من الفرقة والاختلاف ؛ تحت أي مسمى من المسميات ، فالتحزب والتفرق من المحدثات ،فلا يجوز الانتساب للأحزاب والجماعات ، انطلاقا من قول الله تعالى : ” واعتصموا بحبل الله جميعا
السلفية تحارب الغلو والتكفير ، والإرهاب والتفجير ، وتضاد كل صور التطرف الفكري ، وتنبذ المنهج الدموي ؛ وتدعو للرحمة والوسطية ، والاعتدال والتسامح مع البشرية ؛ ممتثلين وصية النبي صلى الله عليه وسلم ” بشرا ولا تنفرا ويسرا ولا تعسرا ، وتطاوعا ولا تختلفا
السلفية ترى الجهاد عبادة شرعية ، لها شروط مرعية ، من القدرة ، وراية ولي الأمر ، وسلامة المقصد ؛ وهو جهاد طلب ودفع ، وليس من الجهاد الثورات الظالمة ، ولا المظاهرات الآثمة ، ولا قتل المعاهدين والمستأمنين ، وليس من الجهاد الغدر بالمدنيين ، ولا التفجير في الآمنين، وليس من الجهاد العمليات الانتحارية ، ولا الرايات العمية ، بل يقررون أن هذه الأفعال داخلة في قوله ” ينصب لكل غادر لواء يوم القيامة ، يقال هذه غدرة فلان
السلفية منهجية ثابتة لا تعرف التلون والنفاق ؛ بل تحارب الخداع والكذب والتقية ؛ فالسلفية بالأمس هي السلفية اليوم ؛ ومن ظن أنها دعوة تتغير وتنقلب لأفكار قتالية ودموية فقد أخطأ التصور ، وخطأ بعض الأفراد خطأ في نهجه لا في منهجه
السلفية تجل العلماء الربانيين الصادقين ، وتحذر من الدعاة الخادعين ، ف ” العلماء ورثة الأنبياء ” ، ومنظرو الفتن ” دعاة على أبواب جهنم
السلفية ليست ملكا لفرد أو جماعة أو حزب ؛ فهي الإسلام الفطري الذي عليه أهل الإسلام ؛ فلا فرق بين السلفية والإسلام الفطري الذي عليه الناس ، فمن كان كذلك كان سلفيا ، صغيرا كان أو كبيرا ، ذكرا أو أنثى ، رئيسا أو مرؤوسا ولا تتوقف النسبة إلى السلفية على موافقة أحد من البشر أو رضاه ، ولا تعرف السلفية الإقصاء ولا الأحادية
السلفية اليوم منهج حضاري كما كانت عليه بالأمس ؛ تدعو للتعايش السلمي المنوط بمقاصد الشريعة بين الشعوب والجماعات بمختلف عقائدها ومللها ونحلها ، وتحفظ دمائهم وأموالهم وأعراضهم ، يقررون السلم المدني ، ولا يقرون الإكراه الديني ، يحاربون الغدر والخيانة ، ونقض العهد والأمانة ، يحترمون شخص الإنسان وكرامته وآدميته، فالخلاف الفكري لا يمنع من احترام الإنسان وتقديره والتعايش معه، والنبي صلى الله عليه وسلم عاش في المدينة في مجتمع فيه عقائد متنوعة ، ومع ذلك لم يعهدوا عليه كلمة نابية ، ولا خلقا فاحشا، ولا عهدا غادرا
هذه خطوط عريضة للسلفية ؛ حتى تنكشف الانتسابات الدعية ، وتعرف النسبة الحقيقية ، وتندفع كثير من الأباطيل والتهم الوهمية