نشرت في صحيفة الإمارات اليوم بتاريخ 18/5/2013
قرأت كلمة لأحد العلماء، كتبها قبل 50 سنة تقريبا وصف فيها عصره، بأنه «عصر السرعة»! فكيف لو رأى زماننا وحالنا، فنحن نعيش في عالم سريع للغاية، تنتقل المعلومة فيه كلمح البصر بين أطراف الدنيا، فلم يعد العالم قرية صغيرة بل أصبح العالم جهازا صغيرا تحمله معك في كل مكان، ولاشك في أن لهذه الحياة السريعة فوائد كبيرة جدا، ولكن لها أيضا ضريبة باهظة ندفعها، فأصيبت بعض النفوس بقلق عظيم، لا ترى في الحياة شيئا من طعم السعادة بل لا تكاد تعرف بعض الوجوه الابتسامة الصادقة التي تعبر عن القلب السعيد المطمئن، حتى لو كانت تملك شيئا كثيرا من المال والصحة والفراغ.
إن المسألة أيها الأحبة الكرام أن بعضنا ركز على الجوانب المادية ونسي تماما الجوانب المتعلقة بالروح والقلب، فأصيبت المشاعر بالجفاف والجفاء وانقلبت الأخلاق الحسنة الكامنة في بعض النفوس إلى أخلاق مادية، ونفس جعلت كل همها الدنيا فقط، فهلا أقبلنا على نفوسنا والتفتنا إليها ولو قليلا، فلو خصص كل واحد منا شيئا من وقته لقراءة القرآن فيخلو بنفسه ويقرأ كلام ربه بترتيل وخشوع وخضوع لله، لشعر بسعادة عظيمة في خضم هذا الصخب الذي نعيشه، ولو حرصنا على دعاء الله ومناجاته بين الأذان والإقامة أو قبيل أذان الفجر أو في غيرها من الأوقات المباركة، لوجدنا للحياة طعما مختلفا وجمالا عظيما للغاية فبالدعاء تتحول المحن إلى منح ولذة وسعادة وسرور لا يعلم بها إلا الله، ولو قطع الواحد منا شيئا من مشاغله وخصص كل يوم جزءا من وقته للجلوس مع والديه وبرهما وتقبيل أيديهما فإنه بإذن الله سيجد نفسا سعيدة هادئة في وسط حياة سريعة يعاني كثير من الناس فيها القلق والتوتر.
هل جربتم مجاراة الصغار في الكلام والتحدث معهم والنزول لمستوى تفكيرهم؟ جربوا ذلك وستجدون بإذن الله راحة عظيمة جدا فقد جاء في الحديث الصحيح أن رجلا جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم يشكو إليه قسوة قلبه، فقال له نبينا عليه الصلاة والسلام: «امسح على رأس اليتيم، وأطعم المسكين».
أيها القراء الكرام، دعوا الهواتف وأجهزة الحاسب جانبا في بعض الأوقات، فلا تكن أسيرا لهذه الأجهزة، واستمتع بحياتك في طاعة الله، وبتواصلك مع الناس والجلوس مع البسطاء والضعفاء، فبدل أن نردد جملة «راحوا الطيبين» لأشياء عفوية وجميلة كنا نفعلها في السابق ابتعدنا عنها بسبب تغير واقع الحياة علينا أن نكون بسطاء في حياتنا مهما علت مناصبنا أو زادت أموالنا، فقد تكون السعادة التي نبحث عنها قريبة جدا منا ولكننا لم نتمكن من الوصول إليها بسبب نمط الحياة الذي فرضناه على أنفسنا، ففي خضم صخب الحياة أعط لنفسك فرصة واستمتع بحياتك في طاعة الله.