:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد على آله وصحبه أجمعين أما بعد
فقد قرأت ما كتبه الأستاذ محمد المرزوقي في جريدة الإمارات اليوم في تاريخ 12/2/2012 بعنوان : ” أفكار اليوم والليلة” تكلم فيه عن حد الردة ، فتذكرت وأنا أقرأ كلامه الحكمة السائرة : من تكلم في غير فنه أتى بالعجائب ، فالأستاذ يتكلم في مسائل شرعية هو أجنبي عنها ولا يُحسن – عفى الله عنه – السباحة في لجج هذه البحار ، وإليكم معاشر القراء تهافت ما سطره من خلال هذه الوقفات مع مقاله
ولكن قبل هذه الوقفات أود أن اذكر للأستاذ محمد المرزوقي إجماع العلماء على وجوب قتل المرتد وقد حكى الإجماع الكاساني وهو حنفي في بدائع الصنائع ، وابن رشد وهو مالكي في بداية المجتهد ، والعمراني في البيان وهو شافعي ، وابن قدامة وهو حنبلي كما في المغني
فهؤلاء الأعلام من المذاهب الأربعة كلهم ينقلون الإجماع على وجوب قتل المرتد
فليت الأستاذ لم يقحم نفسه في مخالفة مسألة إجماعية ، عفى الله عنه وغفر له
والآن لنقف مع مقالة الأستاذ
:قال الأستاذ
كان أول ظهور لمصطلح الردة في الحروب التي خاضها أبوبكر الصديق ضد القبائل التي تمردت عليه بعد وفاة الرسول
هذا الكلام من الأستاذ بعيد عن العلم والتحقيق والاطلاع ، فلو كلف نفسه فتح صحيح البخاري لوجد فيه : عن أنس بن مالك ، أن ناسا من عرينة قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ، فاجتووها ، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم : إن شئتم أن تخرجوا إلى إبل الصدقة ، فتشربوا من ألبانها وأبوالها ، ففعلوا ، فصحوا ، ثم مالوا على الرعاء ، فقتلوهم وارتدوا عن الإسلام
فهذا مصطلح موجود في حياة النبي صلى الله عليه وسلم ، ولكن قلة الإطلاع مدعاة لعدم الإنصاف
وفي تمام الخبر أن النبي صلى الله عليه وسلم قتلهم
:قال الأستاذ
وقد شاع إطلاق كلمة المرتدين على هذه الحرب مع أن الخارجين لم يكونوا «اصطلاحاً» مرتدين، بل فيهم من امتنع عن طاعة ولي الأمر، وفيهم من امتنع عن أداء الزكاة لأنه كان يرى نفسه أحق بالخلافة، وفيهم «التارك لدينه المفارق للجماعة» أي الخارج على الجماعة بالسلاح. فكانت حرب أبي بكر حرباً شاملة على جميع هؤلاء لكي يُخضع الناس في جزيرة العرب لسلطان القانون والدولة في مقابل الرجعية والفوضى، وعلى الرغم من اعتراض عمر بن الخطاب وصحابة آخرين على قتال أبي بكر هؤلاء المتمردين كونهم يشهدون أن لا إله إلا الله، إلا أن حنكة أبي بكر السياسية كانت سببًا في حماية الدولة الإسلامية
يالله العجب من جرأة الأستاذ عفى الله عنه وبعده عن الإطلاع التاريخي ، فلو كلف الأستاذ نفسه فتح البداية والنهاية لابن كثير لوقف على هذه الجمل التي تنص صراحة أن من قبائل العرب من ارتد عن الإسلام وكفر بالله ، يقول ابن كثير رحمه الله
قد تقدم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي ارتدت أحياء كثيرة من الأعراب، ونجم النفاق بالمدينة ، وانحاز إلى مسيلمة الكذاب بنو حنيفة وخلق كثير باليمامة، والتفت على طليحة الأسدي بنو أسد وطيئ، وبشر كثير أيضا، وادعى النبوة أيضا كما ادعاها مسيلمة الكذاب
فماذا يُسمى الأستاذ ادعاء النبوة ؟
ولماذا سُمي مسيلمة بمسيلمة الكذاب ؟
وماذا سيفعل الأستاذ بهذا الأثر الصحيح والذي أخرجه خليفة بن خياط ت 240هـ : عن القاسم بن محمد عن عائشة قالت توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فلو نزل بالجبال الراسيات ما نزل بأبي لهاضها اشرأب النفاق بالمدينة وارتدت العرب فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي إلى أعظمها في الإسلام
فهذا كله يظهر أن الأستاذ أتى بمعلومات غير صحيحة خالف بها أهل التأريخ
:قال الأستاذ
ولذلك فإن علياً لم يكفّر الخوارج ويحكم عليهم بالردة بل حاورهم
لا أدري لماذا أقحم الأستاذ مسألة الخوارج في مسألة الردة ؟! ، مع أن عليا رضي الله عنه أرسل من يناظر الخوارج ، وقاتلهم بل قوى بعض أهل العلم أن عليا رضي الله عنه سجد شكرا لما رأى زعيم الخوارج مقتولا
والأستاذ لم يورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن الخوارج وهو متفق عليه : لئن أدركتهم لأقتلنهم قتل عاد
:وبالنسبة لقتل المرتد لعل الأستاذ لم يقف على هذا الخبر عن علي رضي الله عنه
عن عكرمة، قال: أتي علي رضي الله عنه بزنادقة فأحرقهم، فبلغ ذلك ابن عباس فقال: لو كنت أنا لم أحرقهم، لنهي رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تعذبوا بعذاب الله ولقتلتهم لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: من بدل دينه فاقتلوه
أخرجه البخاري
:قال الأستاذ
بل حتى الرسول لم يثبت أبداً أنه قتل مرتداً أو منافقاً لأن الخلاف مع هؤلاء كان فكرياً بحتاً لم تُرَق فيه قطرة دم واحدة
وهذه عجيبة أخرى من عجائب الأستاذ ، وكلها بسبب قلة الاطلاع ، وبسبب الخوض في المسائل الشرعية من خلال معلومات قاصرة ضعيفة
:وأقول للأستاذ جوابا على كلامه
!سمِّ لنا مرتدا واحدا أعلن وأظهر ردته وأبقاه النبي عليه الصلاة والسلام حرا طليقا يسرح ويمرح ، وهذا ما لن يجده الأستاذ أبدا
وبالنسبة لعدم قتل المنافقين فلأن العبرة بالظاهر ، فمادام يشهد أن لا إله إلا الله ولم يأت بما يستوجب الردة فلا يجوز قتله
وماذا سيقول لنا الأستاذ عن هذا الأثر الصحيح عن أبي بردة، قال: قدم على أبي موسى معاذ بن جبل، باليمن، فإذا رجل عنده قال: ما هذا؟ قال: رجل كان يهوديا، فأسلم، ثم تهود، ونحن نريده على الإسلام منذ، قال: أحسبه شهرين. فقال: والله لا أقعد حتى تضربوا عنقه. فضربت عنقه، فقال: قضى الله ورسوله: أن من رجع عن دينه فاقتلوه أو قال: من بدل دينه فاقتلوه
وكذلك ثبت عن عثمان رضي الله عنه أنه أمر عبدالله بن مسعود بعرض الإسلام مرة أخرى على من ارتد فإن أبى قُتل.
فمن أين أخذ الصحابة الكرام رضي الله عنهم قتل المرتد ؟
وختاما أود أن أنقل للأستاذ محمد المرزوقي كلام الحافظ ابن كثير عن قول الله تعالى : ( لا إكراه في الدين ) أي: لا تكرهوا أحدا على الدخول في دين الإسلام فإنه بين واضح جلي دلائله وبراهينه لا يحتاج إلى أن يكره أحد على الدخول فيه ، بل من هداه الله للإسلام وشرح صدره ونور بصيرته دخل فيه على بينة ، ومن أعمى الله قلبه وختم على سمعه وبصره فإنه لا يفيده الدخول في الدين مكرها مقسورا.ا.هـ
فمعنى الآية أن جبر الناس على الدخول في الإسلام دون إيمان منهم لا ينفعهم هذا عند الله تعالى
وأتمنى من الأستاذ محمد أن لا يقتحم مثل هذه المسائل ، وأدعوه أن يتأمل جيدا فيما يكتبه ، وفقني الله وإياه للحق والسنة والصواب ، والله أعلم
نبهني أحد الإخوة الكرام على التأكيد على موضوع أن إقامة حد الردة مرده إلى ولي الأمر والحاكم ، وهذا أمر واضح جدا … والله الموفق