:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
:فإن من نعم الله على أمة الإسلام أن خصها بليلة القدر، وتمم ذلك بعلامات تميزها عن غيرها، وأماراتٍ تدل عليها، لِيَعُم خيرُها، ويسهل إدراكُها، وهي على نوعين اثنين
علامات تقترن بها أثنائها
وعلامات لاحقة بعد انقضائها
:أما العلامات الأولى
فعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة القدر: «لَيْلَةٌ طَلْقَةٌ، لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، تُصْبِحُ الشَّمْسُ يَوْمَهَا حَمْرَاءَ ضَعِيفَةً»([1
وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنِّي كُنْتُ أُرِيتُ لَيْلَةَ الْقَدْرِ، ثُمَّ نُسِّيتُهَا، وَهِيَ فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ، وَهِيَ طَلْقَةٌ بَلْجَةٌ لَا حَارَّةٌ وَلَا بَارِدَةٌ، كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا يَفْضَحُ كَوَاكِبَهَا لَا يَخْرُجُ شَيْطَانُهَا حَتَّى يَخْرُجَ فَجْرُهَا»([2
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إِنَّ أَمَارَةَ لَيْلَةِ الْقَدْرِ أَنَّهَا صَافِيَةٌ بَلْجَةٌ كَأَنَّ فِيهَا قَمَرًا سَاطِعًا سَاكِنَةٌ سَاجِيَةٌ لَا بَرْدَ فِيهَا، ولَا حَرَّ وَلَا يَحِلُّ لِكَوْكَبٍ أَنْ يُرْمَى بِهِ فِيهَا حَتَّى تُصْبِحَ، وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ»([3
فهي ليلة: فيها انشراح، وضياء، وسكينة، وراحة بال، ساكنة هادئة، معتدلة في جوها بالنسبة إلى غيرها، لا حر فيها ولا برد، ولا يرمى فيها بكوكب، مضيئة كأن فيها قمرا ساطعا قد أخفى ضوء كواكبها من النور.
وأما العلامات اللاحقة:
»فتقدم: «تُصْبِحُ الشَّمْسُ يَوْمَهَا حَمْرَاءَ ضَعِيفَةً
«وَإِنَّ أَمَارَتَهَا أَنَّ الشَّمْسَ صَبِيحَتَهَا تَخْرُجُ مُسْتَوِيَةً لَيْسَ لَهَا شُعَاعٌ مِثْلَ الْقَمَرِ لَيْلَةَ الْبَدْرِ، لَا يَحِلُّ لِلشَّيْطَانِ أَنْ يَخْرُجَ مَعَهَا يَوْمَئِذٍ»
وقال أبي بن كعب رضي الله عنه: «وَأَمَارَتُهَا أَنْ تَطْلُعَ الشَّمْسُ فِي صَبِيحَةِ يَوْمِهَا بَيْضَاءَ لَا شُعَاعَ لَهَا»([4
هذا الذي صح من علاماتها فقط، وما يذكره البعض ويتناقله العامة من أن: المياه المالحة تكون فيها حلوة، وأن الكلاب لا تنبح فيها، وأنها تكون كالنهار من الضوء، وأن الأشجار تُرى ساجدة، كل هذا وغيره لم يثبت منه شيء
:ومن السنة تحري هذه الليلة والتماسها
فعن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «تَحَرَّوْا لَيْلَةَ القَدْرِ فِي الوِتْرِ، مِنَ العَشْرِ الأَوَاخِرِ مِنْ رَمَضَانَ»([5
وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الْتَمِسُوهَا فِي الْعَشْرِ الْأَوَاخِرِ – يَعْنِي لَيْلَةَ الْقَدْرِ – فَإِنْ ضَعُفَ أَحَدُكُمْ أَوْ عَجَزَ، فَلَا يُغْلَبَنَّ عَلَى السَّبْعِ الْبَوَاقِي»([6
وأكثر ما يستحب فيها الدعاء، خاصة سؤال العفو والعافية، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله أرأيت إن علمتُ أي ليلةٍ ليلةُ القدر ما أقول فيها؟ قال: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»([7
ومن أسباب نيل ذلك العفو عن الناس، قال الحافظ ابن رجب معلقا على حديث عائشة رضي الله عنها:“العَفُوُّ من أسماء الله تعالى، وهو يحب العفو، فيحب أن يعفو عن عباده، ويحب من عباده أن يعفو بعضهم عن بعض، فإذا عفا بعضهم عن بعض عاملهم بعفوه”([8
فاللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
([1]) رواه ابن خزيمة، والبزار.
([2]) رواه ابن خزيمة، وابن حبان.
([3]) رواه أحمد.
([4]) رواه مسلم.
([5]) رواه البخاري.
([6]) رواه مسلم.
([7]) رواه أحمد والترمذي وغيرهما.
([8]) لطائف المعارف (1/205).