نشرت في صحيفة الرؤية بتاريخ 10/12/2013
ما من إنسان إلا وتمر عليه مواقف صعبة في هذه الحياة، وأحياناً تكون مؤلمة للغاية، لكن لو تفكرنا جيداً، فإننا سنجد أنه في ثنايا المحن، أو بعدها منح عظيمة من الله، تعالى، فيوسف، عليه الصلاة والسلام، رمي في البئر، ثم من البئر إلى قصر العزيز، ومن السجن إلى بلاط الملك، فانظر إلى عظيم فضل الله عليه، وهذا يؤكد فعلاً أن العسر يعقبه يسر بإذن الله.
ومريم، عليها السلام، لما قالت: (يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً) جاءها الفرج واللطف، وكان مولودها عيسى، عليه الصلاة والسلام، من أولي العزم من الرسل، ونبينا، صلى الله عليه وسلم، لما خرج من مكة مهاجراً إلى المدينة ما هي إلا سنوات يسيرة ويأتي الله بالخير العظيم، فأقبل الناس عليه من مختلف القبائل وافدين معلنين إسلامهم، فكل مصيبة فيها لطف وخير، لكننا لا ننتبه للمنح الموجودة في المحن.
أعرف من ابتلاه الله، فلم يرزق بأبناء، فأخبرني بأن الله فتح عليه أبواباً عظيمة من أبواب الدعاء والرجاء والتذلل له إلى أن جاء الفرج من الله، فعلى العبد في جميع أحواله ألا يسمح لليأس بأن يدخل إلى قلبه، بل يتسلح بسلاح الصبر والإيمان واليقين، فمن الناس من يستسلم وينهار لمجرد مروره بظرف صعب، فإذا فاتته الترقية تأثرت نفسيته جداً، وإذا خسر في تجارته قد يصاب بحالة مرضية، وإذا قدر الله، ووقع على بعض أبنائه حادث انهار تماماً، ولم يقدر على مواصلة الحياة بشكل سليم، وهذا كله تصرف غير جيد وضعف واضح يبديه الإنسان.
ومن تأمل في حال النبي، صلى الله عليه وسلم، علم كيف صبر، واحتسب ولم ييأس أبداً، بل كان يتفاءل في المواقف الصعبة، ويواجهها بإيمان وتوكل على الله، جل جلاله، فنبينا، صلى الله عليه وسلم، يعلم أن بعد العسر يسراً، إن شاء الله، وروي عن عبدالله بن مسعود ، رضي الله عنه، أنه قال«لو دخل العسر في جحر لجاء اليسر حتى يدخل عليه، لأن الله يقول «فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا».
من لطيف ما سطره ابن القيم، رحمه الله، هذه الكلمات الجميلة: «إذا سلك العبد على هذا الطريق عطف عليه ربه، فقربه واصطفاه وأخذ بقلبه إليه، وتولاه في جميع أموره في معاشه ودينه وتولى تربيته أحسن وأبلغ مما يربي الوالد الشفيق ولده، فإنه، سبحانه، القيوم المقيم لكل شيء من المخلوقات طائعها وعاصيها، فكيف تكون قيوميته بمن أحبه وتولاه وآثره على ما سواه ورضي به دون الناس حبيباً ورباً ووكيلاً وناصراً ومعيناً وهادياً، فلو كشف الغطاء عن ألطافه وبره وصنعه له من حيث يعلم، ومن حيث لا يعلم لذاب قلبه محبة له وشوقاً إليه ويقع شكراً له، لكن حجب القلوب عن مشاهدة ذلك إخلادها إلى عالم الشهوات والتعلق بالأسباب، فصدت عن كمال نعيمها، وذلك تقدير العزيز العليم، وإلا فأي قلب يذوق حلاوة معرفة الله ومحبته، ثم يركن إلى غيره ويسكن إلى ما سواه، هذا ما لا يكون أبداً».
فعلى كل واحد منا إذا وقعت عليه محنة أن يلازم الصبر والتفاؤل والأمل، فمن أقبل على الله انقلبت هذه المحن المتتابعة عليه إلى منح عظيمة، وأجور وحسنات كبيرة.