:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فالله تعالى يقدر على عبده في الدنيا أنواعا من البلاء ، فالدنيا لن تصفو لأحد كما قال تعالى : ( لقد خلقنا الإنسان في كبد ) ، ومن الابتلاء الذي قد يتعرض له الإنسان في الدينا إصابته بأمراض نفسية أو روحية قد لا يكون لها علاج واضح عند الأطباء فيبحث بعض الناس الرقاة الثقات ليقوموا برقيتهم ، والتداوي بالرقية الشرعية أمر لا إشكال فيه ، فالرقية تدور حول دعاء الله والتوجه له ، وقبل أن نتوجه للرقاة أتمنى أن ينتبه القراء الكرام للأمور التالية
من أعظم أسباب الراحة النفسية حسن الظن بالله وصدق التوكل عليه ، فمن الذي صفت له الدنيا دون منغصات أو مكدرات ؟! بل سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم تعرض لأذى عظيم من أقاربه وأرحامه فصبر على أذاهم وأوصانا بالصبر على البلاء ، فهكذا يجب أن نكون فإياك أن تسترسل مع الوساوس فتظن بربك ظن السوء ، أو تعترض على حكمه وقضائه وقدره ، ولو أحسن العبد الظن بربه لوجد أن في ثنايا المحن منحا عظيمة من الله ففي الحديث الصحيح : (ما يصيب المسلم، من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه ) فكن على أمل وتفاءل مع الله تعالى ، فالذي قدر عليك البلاء سيرفعه بإذنه جل جلاله ولكن علينا أن نكون صادقين في التوجه لله ، قال ابن القيم رحمه الله : ” فلو كشف الغطاءَ عن ألطافه وبره وصنعه له من حيث يعلم ومن حيث لا يعلم لذاب قلبه حبا ًله وشوقاً إليه ويقع شكراً له، ولكن حجب القلوب عن مشاهدة ذلك إخلادها إلى عالم الشهوات والتعلق بالأسباب، فصدت عن كمال نعيمها، وذلك تقدير العزيز العليم
ومن الأمور النافعة قبل التوجه للرقاة : عدم الاستسلام ومدافعة ما يجده الإنسان في نفسه ، فمثلا قد يصاب بعضهم بخوف من لقاء الناس أو عدم القدرة على الكلام أمامهم أو عدم الرغبة في العمل أو وسوسة في مسائل الطهارة والصلاة فمن أكبر الأخطاء الاستسلام للنفس بل عليه مدافعتها ومجاهدتها ، فمن طبيعة النفس البشرية أن تقبل بالعوائد والمألوفات فلو تعودت على الكسل عن الذهاب للعمل لألفت ذلك فالمدافعة من طرق التداوي النافعة والمجربة ، وبعض الوساوس لما استرسل معها صاحبها تفاقم الأمر عنده وتمكنت منه واستحكمت ، فادفع ما تجده في نفسك بالإقبال على الشيء النافع المفيد وعدم الاستسلام ، وستجد في ذلك النفع العظيم بإذن الله
ومع هذه الأسباب علينا أن نكثر من دعاء الله تعالى بالإعانة والسداد ، قال ابن القيم : ( فإن العارفين كلهم مجمعون على أن التوفيق أن لا يكلك الله تعالى إلى نفسك، والخذلان أن يكلك الله تعالى إلى نفسك ) فاستعن بالله واطلب منه الإعانة ورفع البلاء ، فكم من هم انزاح بالمناجاة والدعاء ، وكم خوف انقلب إلى طمأنينة وأنس بالله فهو القائل : ( ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) والعجب من الكسل عن الدعاء وعدم رفع أكف الضراعة لله تعالى ، وكثير من الناس قد يصابون بالعين والسحر فتجدهم لا يكلفون أنفسهم الصدق في الدعاء ومناجاة الله والتوسل إليه ، ولو فعلوا لوجدوا خيرا عظيما لا يحيط به الكلام به ، ولنا أسوة في أنبياء الله ، فهذا يونس عليه الصلاة والسلام ينادي في ظلمات عظيمة : ( فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين . فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين ) ونوح عليه الصلاة والسلام يدعو الله فيأتيه الفرج العاجل : ( فدعا ربه أني مغلوب فانتصر . ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر ) وأيوب عليه الصلاة والسلام لبث به البلاء مدة طويلة فجاءه الفرج العظيم بصدق التوجه لله : (وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين . فاستجبنا له فكشفنا ما به من ضر وآتيناه أهله ومثلهم معهم رحمة من عندنا وذكرى للعابدين ) فمن الذي دعا الله فرده رب العالمين خائبا دون إجابة أو أجر وثواب ؟! قال عليه الصلاة والسلام : ” إن الله حيي كريم، يستحي إذا رفع الرجل إليه يديه أن يردهما صفرا خائبتين
وقبل البحث عن الرقاة علينا أن نصارح أنفسنا قليلا : فليس كل بلاء يقع علينا سببه العين والحسد والسحر فمن الناس من يفسر كل صغيرة وكبيرة بالعين والسحر وهذا خطأ غير مقبول ، فبعض البلاء من المرض العضوي أو النفسي ، وبعض التغيرات على حياة الإنسان قد يكون سببها الذنوب والمعاصي كترك الصلاة والحجاب والتقصير مع الوالدين وإهمال الحقوق الواجبة ففتش عن السبب وصارح نفسك ، فالذنوب والمعاصي لها أثر عظيم في إصابة بعضهم بالأحزان المتتابعة أو القلق والأرق ، فمن قارف الخطايا والموبقات وتناول المسكرات هل سيجد طعم السعادة ؟ ومن يضع رأسه قبل أن ينام وعشرات الضعفاء يدعون عليه لأنه سرق أموالهم وأكلها ظلما وعدوانا هل سيتمكن من النوم بسهولة ويسر ؟
إن هذا السبب من أعظم الأسباب الجالبة للأحزان والهموم والغموم ولكن حجبت بعض القلوب عن معرفته بسبب تتابع النفس على شهواتها واستصغارها لمعصية الله
وعلينا أن نسأل أنفسنا : ماذا سيفعل الراقي ؟ فالجواب : أنه سيرقي المريض أو المحسود أو المحسود بشيء من الأدعية الواردة في القرآن والسنة النبوية ، فهل تتصورون أن الرقية صعبة ومعقدة للغاية ؟
إن الرقية الشرعية من أيسر العبادات فلم لا نتعلم كيف نرقي أنفسنا ؟! فكلنا يستطيع أن يقرأ على نفسه سورة الفاتحة وآية الكرسي وخواتيم سورة البقرة وسورة البقرة وآل عمران والإخلاص والمعوذات وبعض الأدعية الواردة في السنة النبوية الصحيحة فالأمر يسير ولكنه يتطلب عملا ويقينا وصدقا مع الله ، فربنا القائل : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) فعليكم برقية أنفسكم ، ولو قام الآباء والأمهات برقية أولادهم أو الزوج برقية زوجته والعكس لوجدوا لذلك تأثيرا عظيما ولكن ضعف اليقين في قلوب بعض العباد ، وأخشى أن يكون وراء الأمر ضعف التعلق بالله والتعلق بمخلوق ضعيف ، وعندما أسأل بعض الناس : ما الذي يمنعك من رقية نفسك ؟! فيقولون : لا شيء لكن … والخطورة في كلمة لكن ! فمن الذي يحول بينك وبين الدعاء وسؤال الله ورقية نفسك ؟
واجعل آخر الأمر التوجه للرقاة وأسأل عن الثقات منهم ولا تبرر لنفسك مهما كانت ظروفك صعبة التوجه للمشعوذين والدجالين وإن ذكروا أنهم يعالجون بالقرآن والاستعانة بجني مسلم في زعمهم فلا تصدق هذا الكذب والهراء الذي يصطادون به الخلق وتذكر أن النبي عليه الصلاة والسلام قال : ” ليس منا من تطير أو تطير له، أو تكهن أو تكهن له، أو سحر أو سحر له، ومن أتى كاهنا فصدقه بما يقول؛ فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم “، واعلم بأن الراقي الصالح لا يمكنه أن يسأل عن اسم الأم ولا يتمتم بكلمات غير مفهومة أو يستخدم طرقا يعلم الأمي من الناس أن دين الله لا يمكن أن يكون بهذه الطريقة كأن يخبر عن الأمور الغيبية أو يستغيث بغير الله أو يطلب من المريض الذبح لغير الله أو تعليق الخيوط والحروز والطلاسم ، ومهما كان الراقي صالحا فلا يجوز له أن يخلو بامرأة ليقرأ عليها القرآن ، ولا يقبل أن يلمسها بحجة الرقية ، لأنه صادق مع ربه ومع الناس فيدلهم على الخير دون مخالفات شرعية ، وكم وقعت بعض المصائب بسبب خلوة بعض الرقاة بالنساء فانتبهوا رعاكم الله
:وفي الختام أود أن اذكر لكم شيئا من الآيات والأدعية التي يمكن أن نرقي أنفسنا بها
سورة الفاتحة.
سورة البقرة.
آية الكرسي.
(خواتيم سورة البقرة ( آمن الرسول
(سورة الإخلاص ( قل هو الله أحد
(سورة الفلق ( قل أعوذ برب الفلق
(سورة الناس ( قل أعوذ برب الناس
وما شئتم من القرآن العظيم ، كرروا هذه السور واقرؤوها على أنفسكم وأولادكم ولا تستعجلوا النتيجة فأنتم على خير عظيم ، وأعجب من عجز بعض الناس عن القراءة فلا يكلف نفسه القراءة بل يضع مسجلا في المنزل وقلبه في غفلة عن الذكر والدعاء وليس هذا حال المقلبين على الله بصدق
:ومن السنة النبوية
أعوذ بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامة، ومن كل عين لامة.
بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم.
اللهم رب الناس أذهب الباس، اشفه وأنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقما.
أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما ينزل من السماء وما يعرج فيها ومن شر فتن الليل والنهار ومن كل طارق إلا طارق يطرق بخير، يا رحمن.
ضع يدك على الذي تألم من جسدك، وقل باسم الله ثلاثا، وقل سبع مرات أعوذ بالله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر.
باسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفس أو عين حاسد، الله يشفيك باسم الله أرقيك
فهذه بعض الأدعية النافعة الطيبة والتي لو واظبنا علينا لوجدنا خيرا عظيما بإذن الله ، كما يمكن أن نجمع بين العلاج الطبي وبين استخدام العسل وألبان الإبل وتناول تمر العجوة وحبة البركة وشرب ماء زمزم والحجامة فالنبي عليه الصلاة والسلام كان يحث على التداوي بهذه الأمور وفيها الخير والبركة بإذن الله
والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين