:الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أما بعد
فإن من أعظم النعم التي منّ الله بها علينا أن جعلنا مسلمين، ننتمي لأمة محمد – صلى الله عليه وسلم – فالله -سبحانه وتعالى- وصف هذه الأمة بأنها خير الأمم وأوسطها وأعدلها، فكان الانتساب إليها من أعظم الشرف
فإذا علمنا ذلك وجب علينا أن نفخر بهذا الدين وبتعاليمه وأحكامه، وبانتمائنا له، ولهذه الشريعة الكاملة التي ختم الله بهذا الشرائع السابقة، وجعلها دينا يعتنقه العباد إلى يوم المعاد
ولأجل ذلك كان لزاماً علينا أن نتعلم أحكام هذه الشريعة الغراء، ونعلمها لأجيالنا، وأن نلحق العمل بالعلم، وأن ندافع عن ديننا وأحكامه ضد من يسعى للنيل منه، ببث الشبهات وتحريف النصوص أو تأويلها بوجه باطل، ثم ندعو الناس إلى هذا الخير وإلى هذه الفضائل، مع التواصي بالصبر والحكمة
وإن من أعظم ما نتعلمه ونعمل به وندافع عنه وندعو إليه التوحيد والعقيدة والإيمان بالله
فإن قال قائل : ما سبب هذا الاهتمام بأمر التوحيد والعقيدة والإيمان بالله ؟
:الجواب : الاهتمام بأمر التوحيد والعقيدة والإيمان بالله يرجع إلى جملة من الأسباب لعل من أهمها
أولا: العقيدة هي الأساس الذي تبنى عليه جميع أحكام الشريعة من العبادات والمعاملات والسلوكيات، فمنزلة العقيدة في الإسلام كمنزلة الأساس للمبنى، فكما أن فساد الأساس يستلزم فساد المبنى، وصحته تستلزم صحة المبنى، كذلك هو شأن العقيدة بالنسبة إلى الأحكام العملية، فإذا كان الأساس هزيلاً وضعيفاً فإما أن ينهار أو يكون هشاً لا يقوى على تحمل تكاليف الشرع المطهر
ولذلك اهتم النبي – صلى الله عليه وسلم – بأمر العقيدة في دعوته من أول مبعثه إلى أن توفي – صلى الله عليه وسلم – وهو يرسخ قيمها ومبادئها
ثانيا: العقيدة والتوحيد والإيمان بالله هو أول ما يدخل به الإنسان هذا الدين، بأن يشهد أن لا إله إلا الله وحده ولا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وفي هذا أبلغ دلالة على أهمية العقيدة في حياة الإنسان
فهل يليق بمسلم ينطق بالشهادة، وهو لا يعلم معناها، ولا ما يلزم من نطق بها من أحكام ؟
الجواب : لا يليق به، بل الواجب عليه تعلمها ومعرفة شروطها وأركانها، لأن الله أمره بذلك، كما قال سبحانه : ” فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ” (محمد:19)
ولن يتمكن من معرفة هذه الأركان إلا بأن يتعلم العقيدة والتوحيد والإيمان بالله
ثالثا : لن ينجو أحد يوم القيامة إلا إذا أتى بعقيدة سليمة خالية من الشبهات والانحراف، كما دلّ عليه قول الله سبحانه وتعالى : ” يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ ، إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ” (الشعراء 88-89) والقلب السليم هو القلب الخالي من الشبهات التي تقدح في العقيدة، ومن الشهوات التي توقع في المعاصي
رابعا: العقيدة الصحيحة من أسباب حفظ الإنسان من الانحراف الفكري والعقدي، فإنّ أهل الزيغ والانحراف يسعون جاهدين لإضلال البشرية عن طريق الحق، بما يثيرونه من شبهات، قال تعالى في وصفهم: ” فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ” (آل عمران:7
وإذا تحقق الأمن العقدي والفكري بين الناس تحقق الأمن العام في المجتمع، فيُحفظ أمن الدولة، ويأمن الناس على ضرورياتهم من الدين والنفس والعقل والمال والعرض من أن يُعتدى عليها أو تُنتهك
كما أنها تسهم في انتشار العدالة بين الناس، وبث روح التسامح بين جميع الفئات التي تسكن على أرض الدولة، وفق أحكامها التي تقرر صيانة دم وأموال غير المسلمين من أتباع الشرائع المختلفة، مع اعتزاز المسلم بأصول دينه وأحكامه، ليكون ذلك دافعا لهم للدخول في هذه الشريعة الإسلامية الخاتمة، وهذا الأمر لا يعرفه حق المعرفة، ويعمل به كما شُرع إلا من تعلم العقيدة الصحيحة، وترسخ الإيمان بها في قلبه
خامسا: العقيدة الصحيحة هي أساس دعوة جميع المرسلين، قال تعالى : “وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ” (النحل:36)، وأساس كل دعوة صحيحة تنتهج سنة النبي – صلى الله عليه وسلم – ، فلَمَّا بَعَثَ النَّبي – صلى الله عليه وسلم – مُعَاذًا نَحْوَ الْيَمَنِ قَالَ لَهُ « إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا اللَّهَ تَعَالَى..” رواه البخاري فكانت العناية بها متحتمة وضرورية
سادسا: تعلم العقيدة الصحيحة يعصم الإنسان من الوقوع في الشرك الذي هو أكبر ذنب عُصي الله به، ولذلك لا يغفره الله أبدا، فإذا تعلم الإنسان العقيدة الصحيحة وحد ربه ولم يشرك به شيئا
سابعا : تعلم العقيدة الصحيحة يسد حاجة النفس في رغبتها الملحة بأن تتعلق برب تعرفه، وتلجأ إليه، وتعبده، فهذه فطرة فطر الله الناس عليها، كما قال تعالى : ” وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ” (الأعراف:172
فالعقيدة تُعرّف الإنسان بربه، فيعرف أسماءه وصفاته وما تتضمنه من المعاني
يعرف ما أعده ربه له إن هو أطاعه، والجزاء الذي أعده له إن هو خالفه وعصاه، كما أنه يعرف أحواله في هذه الحياة من وصوله لسن التكليف إلى دخوله الجنة أو النار.
كما أنها تجيب الإنسان على أهم الأسئلة التي يواجهها في حياته ولا يجد لها جوابا منطقيا يقنعه
فالعقيدة تعرفك – أخي القارئ – من أنت ؟
ومن الذي أوجدك؟
وما سبب وجودك في هذه الحياة؟
وما مصيرك بعد هذه الحياة؟
هذه هي الأسئلة التي تشغل بال الإنسان منذ أن أوجده الله تعالى في هذا الكون، فإن لم يجد إجابة صحيحة ومقنعة فسيظل حائرا
لهذه الأسباب ولغيرها نجد أن الله سبحانه وتعالى يقرر أمور العقيدة في كتابة في مواضع عديدة، وكذلك النبي – صلى الله عليه وسلم – اعتنى بتعليم العقيدة للناس عموما وللصحابة خصوصا، ففي مكة استمر – صلى الله عليه وسلم- يُعلم الناس العقيدة مدة ثلاث عشرة سنة، لم يُفرض خلالها شيء من العبادات ما عدا الصلاة التي فرضت قبل الهجرة بثلاث سنوات
لذلك كان لزاماً علينا أن نتعلم أركان الإيمان بالله تعالى، وأحكام توحيده، وأن نُعلّم ذلك لأبنائنا وأهلينا
وفقنا الله جميعا لما يحبه ويرضاه