نشرت في صحفية الإمارات اليوم بتاريخ 2/11/2013
من مراحل الحياة المؤثرة «مرحلة التقاعد» فهي في الغالب تأتي بعد حياة حافلة بالعطاء الوظيفي، والنقطة الفارقة في مرحلة التقاعد أنها انتقال من وظيفة لها وقت محدد والتزامات كثيرة وتأخذ جزءاً كبيراً من يوم الإنسان إلى حياة لا يوجد فيها التزامات وظيفية معينة، فيصبح الإنسان حراً طليقاً من القيود الوظيفية وهنا مكمن الخطورة، فمن الأمور التي تهدد الصحة: الفراغ وقلة الإنتاج وعدم وجود هدف محدد في هذه المرحلة المهمة من عمر الإنسان، فمن الناس من يتقاعد ويعاني فراغاً قاتلاً، فالناس حوله كل له همه ومشاغله، فمن الصعوبة أن يحمّلهم شيئاً أكثر من طاقتهم، والفراغ له ضريبة كبيرة يدفعها الإنسان، بل بعض السلوكيات المشينة التي يرتكبها بعض المتقاعدين تكون بسبب الفراغ القاتل وعدم وجود هدف يسعون لتحقيقه، وفي الطرف الآخر نجد متقاعداً استغل الفراغ الكبير في طاعة ربه وتطوير نفسه، فهو حريص على أداء صلاة الجماعة في المسجد ويبكر للصلاة ولا يفرط فيها وفي أداء السنن، وله ورد يومي من قراءة القرآن، وأحياناً يضع لنفسه خطة جادة لحفظ شيء من القرآن الكريم، وقد يتم حفظ القرآن كاملاً، وهذا السعي منه له أثر كبير في قوة الذاكرة وإبعاد كثرة النسيان عنه بإذن الله تعالى، ويحرص هذا المتقاعد على صلة أرحامه وأقاربه، ولا ينس أيضاً زوجته التي شاركته المراحل الماضية من الحياة، وستشاركه المراحل القادمة بإذن الله، فيبرها ويحسن إليها.
إن ما يبديه بعض المتقاعدين من نشاط وحيوية قد يفوق نشاط وحماسة وهمة بعض الشباب، فهم وإن تقاعدوا من أعمالهم ووظائفهم فإن همتهم وعزيمتهم قويتان لم تموتا.
ومن المهم جداً وجود مراكز متخصصة لتوجيه هؤلاء المتقاعدين وتقديم الاستشارات الدينية والدعم الاجتماعي والنفسي لهم، فبعضهم قد يفكر بعد تقاعده في مشروعات ويرغب في تطوير مهاراته، ولا يجد من يشاوره في الأمر، فمن المهم وجود مراكز متخصصة تخدم هذه الفئة التي قدمت الكثير وتحتاج إلى شكر وتعامل حسن، وقد تفيد المراكز أيضاً في وضع آليات وبرامج للاستفادة من خبرات المتقاعدين، فبعضهم لديه رصيد من الخبرة والإتقان، ويصدق عليهم حديث النبي صلى الله عليه وسلم: «البركة مع أكابركم»، فهم كبار بتجاربهم وخبراتهم وأفكارهم، وكم أتمنى من جهات العمل التي عمل فيها هؤلاء الكرام أن تقيم لهم حفلاً سنوياً يجتمع فيه كل متقاعد عمل سابقاً في الوزارة أو الدائرة أو المؤسسة، فحقهم علينا التوقير والتقدير والاحترام.