:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فقد كتب الأستاذ الكريم سامي الريامي مقالا آخر ضمه لمقاله الأول وجعل عنوانه : ” دعونا نركز على الجانب الأمني للضرورة ” ، ورأيي القاصر أنه لم يوفق في هذا المقال أيضا ، وكما ناقشت الأستاذ سامي في مقاله الأول سأعيد مناقشته في مقاله الثاني ، وليس القصد من هذه الوقفات الوقوع في الجدل العقيم الذي لا نفع فيه ، فالحوار الجيد له له أثره الإيجابي في المجتمع إذا ابتعد عن ( الشخصنة ) خاصة وأن ما طرحه الأستاذ قد ولد ردة فعل قوية في المجتمع ، فآمل أن يتسع صدر الأستاذ سامي الريامي لما سأورده من نقاط ومسائل
قال الأستاذ : ” نحن الآن في دولة الإمارات وفي دول عربية وإسلامية نواجه خطر استغلال الدين في مختلف مناحي حياتنا … وقضية النقاب تقع في صلب هذه المخاطر … ولذلك فإن التصدي لهذا الجانب من ناحية قانونية تهدف للحفاظ على الأمن والاستقرار باب مطلبا ملحا بعيدا عن ذرائع أي كان
لا يختلف أي شخص في ضرورة المحافظة على الأمن والاستقرار بل من مقاصد الشريعة الإسلامية المحافظة على النفوس ، وتحريم الاعتداء عليها بأي طريقة كانت ، بل من أعظم أنواع الذنوب والمعاصي الاعتداء على الآخرين وترويع الآمنين ، ولكن ما علاقة النقاب بهذا الموضوع؟! ، فوجود سلوك مرفوض عند آحاد الناس لا يعني إلغاء مسألة شرعية ذكرها العلماء قديما وحديثا ، ونصوا عليها نصا ، فهذه النقطة آمل من الأستاذ سامي الريامي أن يتفهما جيدا ، فمجتمع دولة الإمارات محافظ وتربى في جميع البيوت على قبول تغطية المرأة لوجهها فهذه المسألة شرعية دينية ولها صلة بقيم المجتمع وعاداته فمن غير المقبول مخاطبة المجتمع بالطرح الذي يطرحه الأستاذ ، فالمجتمع يرى بعينيه أن قضية تغطية المرأة لوجهها لا تشكل خطرا عليه ، فقوة الأجهزة الأمنية لدينا ولله الحمد أصبحت مضرب مثل ، فكم من جرائم ارتكبها رجال مقنعون تمكنت الأجهزة الأمنية من خلال قائدها القوي المحبوب الشيخ سيف بن زايد ىل نهيان من التقاط المجرم في أقل مدة زمنية بما تعجز عنه الأجهزة الأمنية في أوربا وأمريكا ، فمن غير الصواب التهويل في المسألة بهذا الشكل الذي لم يوفق له الأستاذ سامي الريامي ، والإشكال أن الأستاذ سامي يصف من يدعو إلى تغطية المرأة لوجهها بالتطرف والتشدد كما في مقاله السابق وهذه نقطة كنت أتمنى أن يتراجع ويعتذر للقراء عنها
وفي مقاله الجديد اقتبس الأستاذ سامي من فتوى صادرة عن دار الإفتاء المصرية جاء فيها : ” ومن ثم يكون لبس النقاب والقفاز سلوكا شخصيا يقع في دائرة المباح … ” وليت الأستاذ لم ينقل إلا عن الجهات الرسمية في الدولة ، فالدولة بها جهات متخصصة في الفتيا ولو اطلع على الفتاوى الموجودة في موقع دائرة الشؤون الإسلامية والعمل الخيري بدبي عن موضوع النقاب لعلم جزما بأن فتيا دار الافتاء المصرية – على فرض صحتها – قد جانبت الصواب في هذه المسألة ، فتغطية المرأة لوجهها كما ينص العلماء قديما وحديثا عليه حكم شرعي يدور بين الاستحباب والوجوب.
كما أن الجهات الرسمية في الدولة أدرى بواقع الدولة ووضع الناس فيها ، فالنقل منها أولى وأقرب للواقع ، وبالمناسبة فقد ذكر شيخ الأزهر السابق : محمد سيد طنطاوي رحمه الله والمتوفى سنة 2010م في كتابه التفسير الوسيط عند تفسيره للآيات التي أوردها الأستاذ سامي في مقاله هذه الكلمات : ( والمعنى: يا أيها النبي قل لأزواجك اللائي في عصمتك، وقل لبناتك اللائي هن من نسلك، وقل لنساء المؤمنين كافة، قل لهن: إذا ما خرجن لقضاء حاجتهن، فعليهن أن يسدلن الجلابيب عليهن، حتى يسترن أجسامهن سترا تاما، من رؤوسهن إلى أقدامهن، زيادة في التستر والاحتشام، وبعدا عن مكان التهمة والريبة
قالت أم سلمة- رضى الله عنها-: لما نزلت هذه الآية، خرج نساء الأنصار كأن على رؤوسهن الغربان من السكينة وعليهن أكسية سود يلبسنها. )
:قال الأستاذ سامي
( لست عالم دين ولكن يكفيني ويكفيكم الفقرة الأخيرة التي تقول : ” وهذا ما أجمع عليه أغلب العلماء وفقهاء المذاهب الأربعة “)
فليت الأستاذ سامي توقف عند منتهى علمه ، وأحال للجهات الرسمية ولأهل الاختصاص في المسألة ، فكما أن العالم الشرعي من غير المناسب له أن يتكلم في قضايا طبية لا يعرف حيثياتها فكذلك لا يجوز لغير المتخصص في مسائل الدين أن يتكلم في قضايا شرعية فيحللها أو يحرمها
:قال الأستاذ
( أولم يلغ عمر بن الخطاب حدا من حدود الله عندما استدعت الضرورة ذلك )
فهذا استدلال بعيد جدا من الأستاذ ، ففرق بين من يقول بإنكار تغطية الوجه بالكلية وبين حد ألغي لعدم اجتماع شروط الحد فيه ثم رجع ولي الأمر لتطبيقه ، فما يطرحه الأستاذ يخالف دليله ، فالدليل يدل على إلغاء أمر مشروع لظروف استثنائية تمر بعموم المجتمع أشرف فيه الناس على الموت بسبب الجوع وشدة الفقر ، ثم رجع الأمر إلى أصله من ناحية وجوب التطبيق ، بينما يطرح الأستاذ طرحا مفاده إلغاء تغطية المرأة لوجهها بالكلية وأن النقاب ليس من الدين أصلا وبين الأمرين فرق عظيم
:قال الأستاذ
( ولا داعي للجدل الذي سيفتله البعض وما أكثر المجادلين في الدين )
فعلا لا داعي للجدال في الدين والخوض في مسألة اتفق العلماء على مشروعيتها ألا وهي تغطية المرأة لوجهها ، وليت الأستاذ لم يخض فيما نهى القراء عنه ، فتكلم عن الجريمة نفسها دون الدخول في مواضيع يرفضها المجتمع ولا يقبل المساس بها ، فالمستغرب منه حقا عدم تطرق الأستاذ سامي للجريمة نفسها وتحليل جوانب يستفيد منها القراء عندما تمر على المجتمع جريمة قتل شنيعة في مكان عام ، فالتطرق لقضية النقاب ورفضه ووصف من يقول به بالتشدد من المجادلة المذمومة التي كنت أتمنى من الأستاذ أن يتراجع عنها ويعتذر منها .
وبخصوص الجريمة التي وقعت ليت الأستاذ سامي طرح بعض الحلول الأمنية التي تمس صلب القضية ولا تخالف قيم المجتمع ، فمن غير المعقول أن نذكر حلا لا يتقبله الدين ولا المجتمع لمشكلة نراها أمامنا كمن يقول بإلغاء الصدقة والزكاة لوجود استغلال سيء من قبل بعض النفوس الضعيفة لهذه المسألة الشرعية ، وليت الأستاذ سامي طرح مسألة في غاية الأهمية عند الحديث على هذه الجريمة وهي الحلول الأمنية في المجمعات التجارية وأهمية توعية الناس بطريقة التعامل مع الجرائم لو وقعت أمامهم وخصوصا من قبل الأخوات الكريمات ، وضرورة توعية رجال المراقبة في الشركات التجارية التي تقوم على أمن المجمعات التجارية بطرق احترافية للانتباه للجرائم قبل وقوعها فسلبية بعض رجال المراقبة في المجمعات التجارية وقلة خبرتهم في التعامل مع قضايا من هذا النوع ، وضعف الحس الأمني لديهم مشكلة بحد ذاتها ، وليت الأستاذ الكريم خرج خارج الصندوق قليلا وطرح بعض المسائل المتعلقة بإجراءات الصحة والسلامة في بعض المجمعات التجارية فبعضها تخلو تماما من أي مسعف مؤهل لإجراء إسعافات أولية في بعض الحالات الطارئة
وختاما : أشيد جدا بالتفاعل الكبير الذي أبداه الناس برفضهم القاطع لموضوع ربط النقاب وتغطية الوجه بالتشدد فالناس على وعي كبير بأن تغطية المرأة لوجهها مسألة شرعية تدور بين الاستحباب والوجوب