:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فها هي الأيام تمضي سريعا كلمح البصر ، أيامٌ تبدأ ثم تنتهي سريعا وتنفرط كانفراط خرزات العقد ، وهذا كله من عمر الإنسان ، فالسعيد الموفق من اغتنم أيام هذه الدنيا في طاعة ربه جل جلاله
عندما تعود إلى بلادك بعد غياب طويل بالنسبة لك عن أرضك وأحبابك وأهلك وأبنائك وزملائك
يا تُرى ما هي المشاعر التي تدور في القلب ؟
في البداية لا يملك العبد الضعيف المفتقر إلى ربه إلا أن يقول : الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه ، فالفضل والخير كله من الله تعالى ، وإذا مرَّ سفرك دون قلاقل أو مشاكل فهذه نعمة تحتاج منك إلى شكر وحمد وثناء على الله ، وكلما تفكرتُ في نعم الله لا أقدر أن أقول شيئا إلا ما قاله المصطفى صلى الله عليه وسلم : ربي لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك
وعندما تصل إلى بيتك بعد هذا الغياب تتذكر صبر زوجتك على هذا الغياب ، وكيف تحملت الأمور فاللهم اجزهها خير الجزاء ، ومن لم يشكر الناس لم يشكر الله
ثم تترقب الصباح عندما توقظ الأطفال فيقوموا مسرعين إليك في فرحة عارمة ، وشوق كبير ، كلٌّ يتفقد هديته وما أحضرته له … ثم بعد ذلك أسألُهم مختبرا : ” أسافر مرة ثانية ” فيأتيك الجواب بصراخ مرتفع : ” لا “
” مهرة ” الصغيرة كم تقت لها
(صدق ربنا القائل : ( المال والبنون زينة الحياة الدنيا
:لذلك إخواني وأخواتي
اجلسوا مع أبنائكم وبناتكم ، دعهم يتكلمون ويعبرون عما في قلوبهم ، ولو علت أصواتهم ، ولو صرخوا ، ولو لوثوا ثيابك وبعثروا أغراضك ؛ فغيرك يتمنى أن يرزق بمن يقول له : ” أبوي ” و ” أمي ”
هذا سيد الثقلين صلى الله عليه وسلم : يخرج لسانه للحسن بن علي رضي الله عنهما مداعبا وممازحا …
يُأتى بالطفل الصغير فيبول على ثوبه عليه الصلاة والسلام ، فلا يغضب ولا يزجر بل يقول لنا : الراحمون يرحمهم الرحمن.
أتخيل لحظات القاء بوالدي الحبيب ، الذي والله أهابه وأخاف منه إلى الآن ، ليس بسبب بطشه فما كان والدي أبدا قاسيا ، وإنما محبة لهذا الرجل الكريم الذي لم يقصر معي في شيء
أمي الكريمة الغالية التي أمازحها في أثناء السفر فأقول لها : ” ارتحتي مني ” فتقول : ” لا تقول مثل هذا الكلام “
كم أنا مقصر معهما … لذلك رعاك الله : اجلس مع والدك ووالدتك ، دعهم يتكلمون وكن منصتا مستمعها
!نصائحهم مطولة ؟
!كلامهم عن الزمن الماضي ؟
دعهم يتكلمون
عندك شهادة الدكتواره ؟
عندكِ شهادة في الطب ؟!…
(دع كل هذا جانبا واجلس معهما وقل ( رب ارحمهما كما ربياني صغيرا
” أحمد ” صاحبي العزيز كم اشتقت لرؤيتك والجلوس معك
” بوسلمان ” الغالي ، رجاءً ” زهب ” دلة القهوة وأنت تعرف كيف أشرب قهوتكم
أتخيل مشاعري في أول خطبة جمعة بعد عودتي : بوخليفة وبوراشد وبوأحمد هذه أسماء بعض كبار السن يأتون بعد الصلاة يسلمون عليّ كم أفرح بلقائهم
تذكرت أحد الإعزاء من مصر الكريمة بيني وبينه ألفة عظيمة ، تخيلت مشاعره وهو بعيد عن أهله : قد يمرضون وقد يتعبون فعلينا أن نقدر مشاعر هؤلاء تجاه أهليهم
:وفي الختام
هذه كلمات مبعثرة ، داعبت بها اليراع شوقا إلى بلادي الحبيبة أسأل الله أن ييسر لي لقاء أحبتي وأهلي وطلاب العلم الكرام بها