الحمد لله رب العالمين
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له
وأشهد أن محمدا عبده ورسوله …، أما بعد
فمن المعلوم قطعا عند كل مسلم أنّ شريعتنا الإسلامية جاءت بتحقيق كل ما يكفل السعادة والراحة والطمأنينة للعباد في الدارين، ولأجل ذلك أمر الله سبحانه وتعالى العباد باتباع هذه الشريعة التي جاء بها النبي صلى الله عليه وسلم، وبين أن ذلك من أسباب تحقيق الحياة الطيبة، فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ” سورة الأنفال :24 . فأخبر سبحانه وتعالى أن حياتنا إنما هي بما يدعونا إليه الله والرسول من العلم والإيمان وأن جميع أحكام الشريعة غايتها مصلحة العبد وسعادته.
ومن الأحكام التي جاءت بها الشريعة السمحة الغراء السمع والطاعة لمن ولاه الله أمر المسلمين من الحكام والأمراء في غير معصية الله، لما يحققه ذلك من مصالح عظيمة للأفراد والمجتمعات والدول.
ولذلك نجد النبي صلى الله عليه وسلم يقرر هذا الحكم في أعظم الوصايا وأعظم المناسبات، يقول العرباض بن سارية رضي الله عنه: وعظنا النبي صلى الله عليه وسلم موعظة بليغة ذرفت منها العيون ووجلت منها القلوب
فتأمل – أيها الموفق – وصف الصحابي لتأثير هذه الموعظة عليهم، وكيف أنها بلغت فيهم مبلغاً عظيماً.
فقال قائل يا رسول الله: كأن هذه موعظة مودع فماذا تعهد إلينا ؟
فوصف الموعظة بأنها موعظة مودع، والمودع يوصي أحبابه بما يحقق نجاتهم وسعادتهم من بعده، وطلبوا منه صلى الله عليه وسلم أن يعهد إليهم بوصية جامعة تحقق لهم النجاة في الدراين
فما هي هذه الوصية ؟
:تأمل معي أخي الحبيب وصية النبي صلى الله عليه وسلم
-أوصيكم بتقوى الله
– والسمع والطاعة وإن عبدا حبشيا
-فإنه من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا
-فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء المهديين الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ
-وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة
فمن ضمن هذه الوصايا النبوية الأمر بالسمع والطاعة وإن كان الحاكم غير مستجمع لصفات الحكم، ولكنه اكتسبها بالقوة مثلا، فهو عبد حبشي، ومع ذلك تأتي الوصية للصحابة بالأمر بالسمع والطاعة له.
فما يترتب على السمع والطاعة للحاكم – ولوكان غير جامع للصفات الشرعية في الحكم- من المنافع والمصالح الشيء الكثير؛ ففيه صيانة للدماء من أن تسفك، وحماية للأموال من أن تنهب، وتحقيق للأمن في البلاد وبين العباد.
ولما خالفت الشعوب الإسلامية هذه الوصية بأن قامت بما يسمى بثورات الربيع العربي وقعت في الفتن وتحولت طلبات الحريات والحقوق إلى عبودية وذل ومهانة.
: وهذه سنة ماضية في كل ثورة مخالفة للهدي النبوي في التعامل مع الحاكم عدلا كان أو ظالما، حتى قال ابن تيمية – رحمه الله – في منهاح السنة (3/391) وهو الخبير بالفتن وآثارها
” ولعله لا يعرف طائفة خرجت على ذي سلطان، إلا وكان في خروجها من الفساد ما هو أعظم من الفساد الذي أزالته”
:(وقال ابن القيم رحمه الله في إعلام الموقعين (3/ 4
” الإنكار على الملوك والولاة بالخروج عليهم أساس كل شر وفتنة إلى آخر الدهر”
ومن تأمل كلام الأئمة في التحذير من الثورات والخروج على الحكام بحجة ظلمهم، ورأى الواقع المرير الذي تعيشه شعوب الربيع العربي، أيقن بصدق وصية النبي صلى الله عليه وسلم، وأنها المخرج من الفتن، والسبيل لتحقيق النجاة.
“قال ابن القيم -رحمه الله- في تمام كلامه السابق : ” ومن تأمل ما جرى على الإسلام في الفتن الكبار والصغار، رآها من إضاعة هذا الأصل، وعدم الصبر على المنكر، فطلب إزالته، فتولد منه ما هو أكبر منه
فهلا أخذنا بوصية نبينا صلى الله عليه وسلم لننجو من مظلات الفتن ونحصل على الأمن والسعادة في الدارين
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه