سبق وأن ذكرنا أن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من أدلتها التفصيلية.
فما هي الأدلة التي اعتمد عليها الفقهاء لاستنباط الأحكام الشرعية العملية ؟
هذه الأدلة يطلق عليها الفقهاء مصادر الفقه الإسلامي ، وهي تنقسم إلى أقسام باعتبارات
:فمن حيث الاتفاق وعدمه تنقسم إلى
مصادر متفق عليها وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس
مصادر مختلف فيها وهي ما عداها من المصالح المرسلة والعرف وسد الذرائع والاستحسان وقول الصحابي وعمل أهل المدينة ونحوها .
:ومن حيث كونها منقولة بالرواية أو معتمدة بالرأي والعقل تنقسم إلى
مصادر نقلية وهي الكتاب والسنة والإجماع
ومصادر عقلية وهي القياس والاستحسان والمصالح المرسلة ونحوها
وسنتكلم على كل دليل منها وطريقة الاستفادة منه في باب الفقه
أولا : الأدلة المتفق عليها
القرآن الكريم .
هو كتاب الله وكلامه (وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ ، لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ )
قد جاء الأمر بلزومه واتباعه (اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ )
وجاء الأمر بأن يجعل هو الحكم بين الناس (وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ )
ونصوص القرآن قطعية الثبوت لأنه متواتر ، فلا يحتاج إلى إثباتها ، بخلاف السنة التي بعضها متواتر وبالتالي تكون قطعية الثبوت، وبعضها آحاد دون المتواتر وهذه يقول عنها الأصوليون أنها ظنية الثبوت، ولا يسلم لهم ذلك لأن ما تفق عليه الشيخان من الآحاد وهو قطعي الثبوت عند المسلمين
:إلا أن دلالة الآيات على الأحكام الفقهية تنقسم إلى قسمين
قطعي الدلالة وهو ما يعرف عند الأصوليين بالنص الذي لا يحتمل غير معنى واحد كقوله تعالى : ” فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ “
فعدد الأيام التي يصومها المتمتع الذي لا يجد الهدي عشرة لا تزيد ولا تنقص .
ثانيا: ظني الدلالة وهو ما كان من قبيل الظاهر والمشترك ونحوها مما يحتمل معنين فأكثر كقوله تعالى : ” وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ ” والقرء في المعنى اللغوي يحتمل الطهر ويحتمل الحيض
:والأحكام الفقهية في القرآن لها أحوال
أولا : أن تأتي الأحكام مبينة كما في آيات المواريث، والكفارات، ومقادير العقوبات في الحدود، وطريقة اللعان بين الزوجين، كقوله تعالى : ” وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ “
فالزوج له حالان : أن لا يكون لزوجته أولاد فيرث نصف ما تركت ، فإن كان لها اولاد فله ربع ما تركت بعد انفاذ الوصية وسداد الديون
وكقوله في كفارة اليمين : ” لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ “أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ
فكفارة اليمين كما دلت عليها الآية : إطعام عشرة مساكين من أوسط الطعام أو كسوتهم أو تحرير رقبة فهذه على التخيير ، فإن عجز عن واحدة منها فيصوم ثلاثة أيام
:ثانيا : أن تأتي الأحكام مجملة ولها ثلاثة أحوال
الأولى : أن تبين في القرآن ، فيأتي الحكم مجملا في موضع ويبين في موضع آخر
:كعام خص أو مطلق قيد ، كقوله تعالى : ” وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ ” ثم جاء بعض التفصيل في القرآن كقوله تعالى “إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا” ثم بين هذه الأوقات فقال
“أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا”
مثال آخر : قوله تعالى ” وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ” هذا يشمل كل مطلقة مدخول بها أو غير مدخول بها حامل أو غير حامل تحيض أو لا تحيض.
“ثم جاء التخصيص في آيات أخرى فأخرج المطلقة غير المدخول بها فقال : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْقَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا
“ثم أخرج الحامل والتي لا تحيض فقال : “وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلَاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ
ثانيا : أن يأتي الحكم مجملا وتبينه السنة، كقوله تعالى : ” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا” فبينة السنة أن موضع القطع هو كف اليمنى
ثالثا : أن يبقى على إجماله كالأمر بالشورى في قوله ” وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ ” ونحوه
ومن المباحث التي يبحثها الفقهاء في القرآن الكريم النسخ ، رفع الحكم الثابت بخطاب متقدم بخطاب متأخر عنه . وله أنواع يبينها أصول الفقه .
مثال : قوله تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ (65) الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ “
عن ابن عباس في هذه الآية قال: كتب عليهم ألا يفر عشرون من مائتين، ثم خفف الله عنهم، فقال: {الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا} فلا ينبغي لمائة أن يفروا من مائتين.
المصدر والدليل الثاني السنة
تعريفها : ما صدر عن الرسول صلى الله عليه وسلم غير القرآن من قول أو فعل أو تقرير
” وهي حجة في تقرير الأحكام ، قال تعالى : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
والرد إلى الله أي إلى كتابه ، والرد إلى الرسول أي إلى سنته .
” وقال سبحانه : “وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا
فلا فرق بين قضاء الله وقضاء رسوله وأن كلا منهما ليس للمؤمن الخيرة في أن يخالفها، وأن عصيان الرسول صلى الله عليه وسلم كعصيان الله تعالى وأنه ضلال مبين.
” والسنة وحي من الله تعالى كما قال تعالى :” وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ،إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى
وعَنْ الْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِي كَرِبَ الْكِنْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – قَالَ: “يُوشِكُ الرَّجُلُ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ يُحَدَّثُ بِحَدِيثٍ مِنْ حَدِيثِي فَيَقُولُ: بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ كِتَابُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فمَا وَجَدْنَا فِيهِ مِنْ حَلَالٍ اسْتَحْلَلْنَاهُ، وَمَا وَجَدْنَا “فِيهِ مِنْ حَرَامٍ حَرَّمْنَاهُ، أَلَّا وَإِنَّ مَا حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – مِثْلُ مَا حَرَّمَ الله
:فهي حجة في تقرير الأحكام إن صح سندها، وهي تنقسم من جهة القبول والرد إلى قسمين
أحاديث مقبولة ، وأحاديث مردودة .
:والأحاديث المقبولة تنقسم من حيث عدد الرواة إلى قسمين
أحاديث متواترة وهي ما رواها جمع عن جمع يؤمن تواطؤهم على الكذب
:وأحاديث آحاد وهي ما دون المتواتر ، وتنقسم إلى ثلاثة أقسام
مشهور : ما رواه ثلاثة فأكثر لا يبلغون حد التواتر
وعزيز : هو أن لا يرويه أقل من اثنين عن أقل من اثنين
وغريب : ما تفرد بروايته راو واحد
وتنقسم من حيث الصحة والضعف إلى أقسام منها
الصحيح والحسن والضعيف ، ولكل أقسام
لكن إن صح الحديث وثبت فهو حجة يفيد العلم والقطع ويجب العمل به
قال الشيخ الألباني رحمه الله في كتابه الحديث حجة بنفسه في العقائد والأحكام ص18: ” والحق الذي نراه ونعتقده أن كل حديث آحادي صحيح تلقته الأمة بالقبول من غير نكير منها عليه أو طعن فيه فإنه يفيد العلم واليقين سواء كان في أحد الصحيحين أو في غيرهما، وأما ما تنازعت الأمة فيه فصححه بعض العلماء وضعفه آخرون فإنما يفيد عند من صححه الظن الغالب فحسب..”
وهذا خلاف ما يذكره الأصوليون من أن أحاديث الآحاد بدون تفصيل تفيد الظن ولو كانت مما اتفق عليه الشيخان
ومعنى أنها تفيد الظن أنها محتملة للصحة وللضعف، ولذلك فغالبية أهل الأصول من المتكلمين لا يثبتون بها العقيدة لكونها لا تفيد اليقين، والعقيدة لا تثبت إلا بيقين
مسألة : هل تثبت الأحكام الفقهية بالحديث الضعيف ؟
“قال النووي: ” و أما الأحكام كالحلال و الحرام و البيع و النكاح و الطلاق و غير ذلك فلا يعمل فيها إلا بالحديث الصحيح أو الحسن ، إلا أن يكون في احتياط في شيء من ذلك
“قال ابن تيمية : ” ولم يقل أحد من الأئمة أنه يجوز أن يجعل الشيء واجباً أو مستحباً بحديث ضعيف ، ومن قال هذا فقد خالف الإجماع
ولكن هذا ليس على إطلاقه عند الفقهاء إذ يجوزن العمل بالحديث المرسل وفق شروط وضوابط.
والمرسل عند المحدثين نوع من أنواع الضعيف ويعرفه المحدثون بقولهم : ” ما سقط منه الصحابي ورفعه التابعي، بأن يقول التابعي : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”
وأما الفقهاء فالمرسل عندهم أعم وأوسع من تعريف المحدثثين فهو : قول العدل الثقة قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ..فيدخل فيه المعضل والمنقطع
وبعض الفقهاء لا يقبل إلا مراسيل كبار التابعين وأن يكون قد التقى بكبار الصحابة كسعيد بن المسيب ، وأن يكون متنه قد روي معناه مسندا إلى النبي صلى الله عليه وسلم من طريق آخر، أو أن يشهد له بعض أقوال الصحابة، أو أن يقبله جماعة من العلماء ويفتى به، وبعضهم لا يقبل من المراسيل إلا من التابعين أو تابعيهم دون من بعدهم
وبعض الفقهاء كأحمد قد يستعمل لفظ الضعيف ويريد به الحسن وما دونه ، قال ابن القيم : وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالضَّعِيفِ عِنْدَهُ الْبَاطِلَ وَلَا الْمُنْكَرَ وَلَا مَا فِي رِوَايَتِهِ مُتَّهَمٌ بِحَيْثُ لَا يَسُوغُ الذَّهَابُ إلَيْهِ فَالْعَمَلُ بِهِ؛ بَلْ الْحَدِيثُ الضَّعِيفُ عِنْدَهُ قَسِيمُ الصَّحِيحِ وَقِسْمٌ مِنْ أَقْسَامِ الْحَسَنِ، وَلَمْ يَكُنْ يُقَسِّمُ الْحَدِيثَ إلَى صَحِيحٍ وَحَسَنٍ وَضَعِيفٍ، بَلْ إلَى صَحِيحٍ وَضَعِيفٍ، وَلِلضَّعِيفِ عِنْدَهُ مَرَاتِبُ، فَإِذَا لَمْ يَجِدْ فِي الْبَابِ أَثَرًا يَدْفَعُهُ وَلَا قَوْلَ صَاحِبٍ، وَلَا إجْمَاعَ عَلَى خِلَافِهِ كَانَ الْعَمَلُ بِهِ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْقِيَاسِ.
:وأما منزلة السنة من القرآن في تقرير الأحكام
:السُّنَّةُ مَعَ الْقُرْآنِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ
أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً لَهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ؛ فَيَكُونُ تَوَارُدُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْحُكْمِ الْوَاحِدِ مِنْ بَابِ تَوَارُدِ الْأَدِلَّةِ وَتَظَافُرِهَا
كالأمر بالصلاة والزكاة والنهي عن الخمر والزنا
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِمَا أُرِيدَ بِالْقُرْآنِ وَتَفْسِيرًا لَهُ
فتبين مجمله ، قال تعالى : ” وأقيموا الصلاة ” قال صلى الله عليه وسلم: ” صلوا كما رأيتموني أصلي ” ، وكقوله ” وآتوا الزكاة ” فجاءت السنة فبينت المقادير والشروط
وكقوله تعالى : ” فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ ” احتمل المعنى من تزوجها ولو لم يدخل بها، لأن اسم النكاح يقع بالإصابة ويقع بالعقد، فلما ورد حديث النبي صلى الله عليه وسلم: ” لا تحلين له حتى تذوقي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ” تعين أن الإحلال لا يكون إلا بنكاح حصل فيه دخول
وتخصص عامة كقوله تعالى : ” وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ” [النساء: 24] بِقَوْلِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ عَلَى عَمَّتِهَا وَلَا عَلَى خَالَتِهَا» وَعُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: 11] بِقَوْلِهِ – صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا يَرِثُ الْمُسْلِمُ الْكَافِرَ»
وتقيد مطلقه كقوله تعالى : ” وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا” فبينت السنة مكان القطع
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِحُكْمٍ سَكَتَ الْقُرْآنُ عَنْ إيجَابِهِ أَوْ مُحَرِّمَةً لِمَا سَكَتَ عَنْ تَحْرِيمِهِ، وَلَا تَخْرُجُ عَنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ، فَلَا تُعَارِضُ الْقُرْآنَ بِوَجْهٍ مَا
كتحديد ميراث الجدة ، وتحريم زواج المتعة، ولحوم الحمر الأهلية
(ينظر : إعلام الموقعين 4/84)
ولا يوجد تعارض بين القرآن والسنة الصحيحة أبدا
وكل ما يحتاجه الناس قد بينه الله سبحانه وتعالى في كتابه او في سنة نبيه صلى الله عليه وسلم قال ابن تيمية رحمه الله : فكل ما يحتاج الناس إليه في دينهم فقد بينه الله ورسوله بيانا شافيا..
ويقدم النص على العقل وكل ما خالف الشرع فهو خيال واوهام، قال ابن تيمية : ” ” ولهذا لا يوجد في كلام أَحَدٍ مِنْ السَّلَفِ أَنَّهُ عَارَضَ الْقُرْآنَ بِعَقْلِ وَرَأْيٍ وَقِيَاسٍ وَلَا بِذَوْقِ وَوَجْدٍ وَمُكَاشَفَةٍ وَلَا قَالَ قَطُّ قَدْ تَعَارَضَ فِي هَذَا الْعَقْلُ وَالنَّقْلُ فَضْلًا عَنْ أَنْ يَقُولَ: فَيَجِبُ تَقْدِيمُ الْعَقْلِ
(مجموع الفتاوى (13/ 29
سنسكمل بقية الأدلة غدا إن شاء الله