بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله ، أما بعد
ففي خضم هذه الفتن المتلاطمة برز في الساحة جملة من المنتفعين لبسوا لباس الدين، وركبوا مطية الدعوة والجهاد، فاغتر بهم العامة، وهم في الحقيقة دعاة ضلالة، تطاولوا على الشرع رغم أنهم أصاغر، وافتروا على نصوصه بعقولهم القاصرة، وسوء نواياهم الخبيثة، وقد حذر منهم نبينا صلى الله عليه وسلم ومن طلب العلم على أيديهم
وأود من خلال هذا المقال أن أبين حقيقتهم وصفاتهم وطريقة استدلالهم بالنصوص التي يموهون بها على الناس سوء طريقتهم، ودورهم في إثارة الفتن . فأقول مستعينا بالله
أولا: المقصود بالأصاغر
الأصاغر هم أهل البدع والأهواء الذين حذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم
روى الإمام عبد الله بن المبارك و اللالكائي في شرح اعتقاد أهل السنة عن أبي أمية الجمحي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إن من أشراط الساعة أن يلتمس العلم عند الأصاغر ..” والحديث صحيح
وقد بين السلف رحمهم الله المراد بالأصاغر.
“فروى عبد الرزاق في مصنفه عن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: “لا يزال الناس مشتملين بخير ما أتاهم العلم من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ومن أكابرهم، فإذا أتاهم العلم من قبل أصاغرهم، وتفرقت أهواؤهم؛ هلكوا
“ورواه أبو نعيم في “الحلية”، ولفظه: قال: “لا يزال الناس بخير ما أتاهم العلم من علمائهم وكبرائهم وذوي أسنانهم، فإذا أتاهم العلم عن صغارهم وسفهائهم؛ فقد هلكوا
قال ابن المبارك : الأصاغر : أهل البدع “
قال الألباني: سنده جيد .
“وليس المقصود بالأصاغر صغار السن ممن تلقوا العلم والدين على العلماء الكبار ، فلقد سئل عبد الله بن المبارك مَنِ الْأَصَاغِرُ؟ قَالَ: ” الَّذِينَ يَقُولُونَ بِرَأْيِهِمْ، فَأَمَّا صَغِيرٌ يَرْوِي عَنْ كَبِيرٍ; فَلَيْسَ بِصَغِيرٍ
“قال إبراهيم الحربي رحمه الله (ت285ه):”الصغير إذا أخذ بقول رسول الله والصحابة والتابعين فهو كبير، والشيخ الكبير إن ترك السنن فهو صغير
وبوب الإمام أبو عمر ابن عبد البر المالكي في كتابه (جامع بيان العلم وفضله) فقال: بابٌ، حال العلم إذا كان عند الفساق والأرذال
ثم قال رحمه الله (ت463هـ): “وقال بعض أهل العلم: إن الصغير المذكور في الحديث إنما يراد به الذي يستفتى ولا علم عنده، وإن الكبير هو العالم في أي شيء كان، وقالوا: الجاهل صغير وإن كان شيخاً، والعالم كبير وإن كان حدثاً ..”
إلى أن قال: ومما يدل على أن الأصاغر من لا علم عنده ما ذكره عبدالرزاق وغيره، عن معمر، عن الزهري قال:”كان مجلس عمر مغتصاً من القراء شباباً وكهولاً، فربما استشارهم ويقول: لا يمنع أحدكم حداثة سنه أن يشير برأيه، فإن العلم ليس على حداثة السن وقدمه؛ ولكن الله يضعه حيث يشاء “
ثانيا : هؤلاء الأصاغر والأقزام – أهل البدع والأهواء – تجنوا على الشريعة بجهلهم، فاعتدوا على النصوص الشرعية، وحرفوا معاني الاستدلال بها لصالح أهوائهم وأغراضهم الخاصة، ووضعوا قواعد تخدم استنباطاتهم خالفوا بها طريقة أهل العلم
ولذلك حذرنا الله – سبحانه وتعالى – منهم، وحذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم
فروى البخاري ومسلم حديث حذيفة المشهور وفيه سؤاله رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم : فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ: نَعَمْ، دُعَاةٌ إِلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ صِفْهُمْ لَنَا فَقَالَ: هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا
قال ابن حجر: أي من قومنا ومن أهل لساننا وملتنا
وقوله (على أبواب جهنم) : أطلق عليهم ذلك باعتبار ما يؤول إليه حالهم
وروى الترمذي عَنْ ثَوْبَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ
وفسر أهل العلم (الأئمة المضلين) بـ : أي الداعين إلى البدع والفسق والفجور
ينظر عون المعبود وتحفة الأحوذي .
وفي زمان الفتن يكثر خروج الأصاغر الذين يلبسون لباس العلم، ويركبون مطية الدين لأجل الوصول إلى مآربهم الخاصة
وروى مسلم : عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ; قَالَ : سَيَكُونُ فِي أُمَّتِي دَجَّالُونَ كَذَّابُونَ ، يَأْتُونَكُمْ بِبِدْعٍ مِنَ الْحَدِيثِ ، لَمْ تَسْمَعُوهُ أَنْتُمْ وَلَا آبَاؤُكُمْ ، فَإِيَّاكُمْ إِيَّاهُمْ لَا يَفْتِنُونَكُمْ
ثالثا : من أهم أسباب خروج الأصاغر وتمكنهم في زماننا
موت العلماء الكبار، فتخلوا الساحة لهم فينشطون. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما ، قَالَ : سَمِعْتُ رسولَ الله – صلى الله عليه وسلم – يقول: (( إنَّ اللهَ لاَ يَقْبِضُ العِلْمَ انْتِزَاعاً يَنْتَزعهُ مِنَ النَّاسِ،وَلكِنْ يَقْبِضُ العِلْمَ بِقَبْضِ العُلَمَاءِ ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً ، فَسُئِلُوا فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا )) . متفقٌ عَلَيْهِ
وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال : (( لا يأتي عليكم زمان إلا وهو شر من الذي قبله ، أما إني لا أقول أمير خير من أمير ولا عام أخصب من عام ، ولكن فقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفاً ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم )) وفي رواية : ولكن بذهاب العلماء ثم يحدث قوم يفتون في الأمور برأيهم فيثلمون الإسلام ويهدمونه
وتأملوا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وزمن أبي بكر وعمر و أول خلافة عثمان رضي الله عنهم لم يكن لهم ظهور، وأي ظهور لهم أو رأي يخالف الشرع يجتث من أصله مباشرة
ومن الأمثلة على ذلك قصة صبيغ مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فعن سليمان بن يسار أن رجلا يقال له صبيغ قدم المدينة فجعل يسأل عن متشابه القرآن فأرسل إليه عمر وقد أعد له عراجين النخل فقال من أنت قال أنا عبد الله صبيغ فأخذ عرجونا فضربه وقال أنا عبد الله عمر فجعل له ضربا حتى دمي رأسه فقال يا أمير المؤمنين حسبك قد ذهب الذي كنت أجده في رأسي ” رواها مالك بن أنس وعبد الرزاق في المصنف
وكذلك ما رواه مسلم عَنْ يَحْيَى بْنِ يَعْمَرَ قَالَ كَانَ أَوَّلَ مَنْ قَالَ فِى الْقَدَرِ بِالْبَصْرَةِ مَعْبَدٌ الْجُهَنِىُّ فَانْطَلَقْتُ أَنَا وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْحِمْيَرِىُّ حَاجَّيْنِ أَوْ مُعْتَمِرَيْنِ فَقُلْنَا لَوْ لَقِينَا أَحَداً مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلْنَاهُ عَمَّا يَقُولُ هَؤُلاَءِ فِى الْقَدَرِ فَوُفِّقَ لَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ دَاخِلاً الْمَسْجِدَ فَاكْتَنَفْتُهُ أَنَا وَصَاحِبِى أَحَدُنَا عَنْ يَمِينِهِ وَالآخَرُ عَنْ شِمَالِهِ فَظَنَنْتُ أَنَّ صَاحِبِى سَيَكِلُ الْكَلاَمَ إِلَىَّ فَقُلْتُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ إِنَّهُ قَدْ ظَهَرَ قِبَلَنَا نَاسٌ يَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ وَيَتَقَفَّرُونَ الْعِلْمَ – وَذَكَرَ مِنْ شَأْنِهِمْ – وَأَنَّهُمْ يَزْعُمُونَ أَنْ لاَ قَدَرَ وَأَنَّ الأَمْرَ أُنُفٌ . قَالَ فَإِذَا لَقِيتَ أُولَئِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنِّى بَرِىءٌ مِنْهُمْ وَأَنَّهُمْ بُرَآءُ مِنِّى وَالَّذِى يَحْلِفُ بِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ لَوْ أَنَّ لأَحَدِهِمْ مِثْلَ أُحُدٍ ذَهَباً فَأَنْفَقَهُ مَا قَبِلَ اللَّهُ مِنْهُ حَتَّى يُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ
(فشو الجهل بين الناس، وهذا السبب نتيجة للسبب السابق، فيمجدون الأصاغر، وقد جاء في قوله عليه الصلاة والسلام: (حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِماً ، اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤُوساً جُهَّالاً ، فَسُئِلُوا فَأفْتوا بِغَيْرِ عِلْمٍ ، فَضَلُّوا وَأضَلُّوا
وربما كان ذلك ناتجا عن حسن قصد ونية، فالناس يحبون الدين، فإذا سمعوا من يذكر قول الله وقول رسوله صلى الله عليه وسلم انجذبوا إليه
والإعلام له دور كبير جدا في شهرة أمثال هؤلاء الأصاغر بين الناس، وبسبب إقبال الناس على الإعلام زاد الإقبال على الأصاغر والتعلق بهم
حب الظهور والشهرة والمخالفة ، وقديما قيل : خالف تعرف . فيحمله ذلك على التصدر ومخالفة المعلوم من الدين
روى عبد الرزاق في مصنفه وأبوداود عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: تَكُونُ فِتَنٌ يَكْثُرُ فِيهَا الْمَالُ، وَيُفْتَحُ الْقُرْآنُ، حَتَّى يَقْرَأَهُ الرَّجُلُ وَالْمَرْأَةُ وَالْكَبِيرُ وَالصَّغِيرُ وَالْمُؤْمِنُ وَالْمُنَافِقُ، وَيَقْرَأَهُ الرَّجُلُ فَلَا يُتَّبِعُ، فَيَقُولَ: وَاَللَّهِ لَأَقْرَأَنَّهُ عَلَانِيَةً، فَيَقْرَأَهُ عَلَانِيَةً فَلَا يتبعه أحد، فيقول: قد قرأته علانية فلا أراهم يتبعوني، فَيَتَّخِذُ مَسْجِدًا وَيَبْتَدِعُ فيه قولا أوحديثا، ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فَكُلُّ مَا لَيْسَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَلَا مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ فَإِيَّاكُمْ وَإِيَّاهُ فَإِنَّهَا بِدْعَةٌ وَضَلَالَةٌ
الإعلام والانترنت وشبكات التواصل الاجتماعي على اختلاف أنواعها، فقد سهلت ظهور أمثال هؤلاء الأصاغر، وسهلت متابعة الناس لهم ولآرائهم الفاسدة
رغبة الناس عن تعلم الأحكام الشرعية كالعقيدة وأحكام العبادات، والإقبال على القصاصين والمواعظ ومفسري الأحلام، وغالب من سلك هذا المسلك إنما هم من الأصاغر
قال صلى الله عليه وسلم: القصاص ثلاثة : أمير أو مأمور أو محتال
“قال عبد الله بن عمر:لم يكن يُقص في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أبي بكر ، ولا عمر ، ولا عثمان ، إنما كان القصص في زمن الفتنة”وفي رواية: وإنما هو شيء أحدث بعدما وقعت الفتنة
عن عمرو بن دينار ، أن تميما الداري استأذن عمر في القصص ، فأبى أن يأذن له ، ثم استأذنه فأبى أن يأذن له ، ثم استأذنه فقال : إن شئت وأشار بيده ، يعني الذبح
وبسبب القصص وإقبال الناس على القاص يحدث الغرور في نفس القاص، روى أحمد في المسند عَنِ الْحَارِثِ بْنِ مُعَاوِيَةَ الْكِنْدِىِّ أَنَّهُ رَكِبَ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ يَسْأَلُهُ عَنْ ثَلاَثِ خِلاَلٍ. قَالَ فَقَدِمَ الْمَدِينَةَ فَسَأَلَهُ عُمَرُ مَا أَقْدَمَكَ قَالَ لأَسْأَلَكَ عَنْ ثَلاَثِ خِلاَلٍ. قَالَ وَمَا هُنَّ قَالَ : … و عَنِ الْقَصَصِ فَإِنَّهُمْ أَرَادُونِى عَلَى الْقَصَصِ فَقَالَ مَا شِئْتَ. كَأَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَمْنَعَهُ. قَالَ: إِنَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَنْتَهِىَ إِلَى قَوْلِكَ. قَالَ أَخْشَى عَلَيْكَ أَنْ تَقُصَّ فَتَرْتَفِعَ عَلَيْهِمْ فِى نَفْسِك. ثُمَّ تَقُصَّ فَتَرْتَفِعَ حَتَّى يُخَيَّلَ إِلَيْكَ أَنَّكَ فَوْقَهُمْ بِمَنْزِلَةِ الثُّرَيَّا. فَيَضَعَكَ اللَّهُ تَحْتَ أَقْدَامِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِقَدْرِ ذَلِكَ
رابعا: طريقة الأصاغر – أهل الأهواء والبدع – مع نصوص الشرع وفهمها
الأصل أن المسلم مستسلم ومنقاد لأمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم
قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا
يفهم نصوص الشرع على وفق مراد الله ورسوله، وسلف هذه الأمة
وفهم السلف معتبر في معرفة مراد الله ورسوله، وسبب ذلك يرجع إلى أن الله ورسوله قد زكيا هذا الفهم وأحالا عليه
قال تعالى : وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا
ومن السنة قوله عليه الصلاة والسلام: فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي عضوا عليها بالنواجذ
وقوله : وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة. قالوا: من هي يارسول الله قال : ما أنا عليه اليوم وأصحابي.
وقال عليه الصلاة والسلام: خير الناس قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم
وأما الأصاغر الذين حذرنا منهم النبي صلى الله عليه وسلم فلهم موقف آخر من النص الشرعي، وإن كانوا في الظاهر متمسكين وقائلين به، فيغتر بهم العامة
حيث جعلوا النص الشرعي تابعا لهم ولآرائهم وأهوائهم، فإذا جاء النص موافقا لما معهم ذكروه اعتضادا لا اعتمادا ، وإذا خالف النص ما هم عليهم حرفوا معناه بمعاول التأويل
وقد ذم الله هذا المسلك قال تعالى: ( أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ )، وفي وصية عمر بن عبد العزيز لابنه قال له : ( ولا تكن ممن يقبله إذا وافق هواه، ويدعه إذا خالف هواه، فإذا أنت لم تؤجر فيما قبلت منه، ولم تنج من الإثم فيما دفعت منه إذا خالفك
والإمام الأوزاعي رحمه الله شدد في الإنكار على فعل ذلك بنصوص الشرع فقال في معرض رده عليهم: وما رأي امريء في أمر بلغة فيه عن النبي إلا اتباعه ولو لم يكن فيه عن رسول الله وقال فيه أصحابه من بعده كانوا أولى فيه بالحق منا لأن الله أثنى على من بعدهم باتباعهم إياهم فقال والذين اتبعوهم بإحسان فقلتم أنتم لا بل نعرضها على رأينا في الكتاب فما وافقه منه صدقناه وما خالفه تركناه وتلك غاية كل محدث في الإسلام رد ما خالف رأيه من السنة
فمن مواقفهم تجاه النصوص الشرعية :
أولا : ترك المحكم واتباع المتشابه، وعدم رد المتشابه إلى المحكم، قال تعالى في بيان وصفهم: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ)
فأخبر الله سبحانه عن سوء مقصدهم باتباعهم المتشابه وتركهم المحكم وهو إرادة الفتنة، وذلك بسبب الزيغ والانحراف الواقع في قلوبهم.
روى البخاري ومسلم عن عَائِشَةَ رضي الله عنها، قَالَتْ: تَلاَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هذِهِ الآيَةَ (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فيَتَّبِعُون مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) إِلَى قَوْلِهِ (أُولُو الأَلْبَابِ) قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّى اللهُ فَاحْذَرُوهُمْ
قال المفسر ابن كثير في تفسير قوله تعالى : { فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ } أي: ضلال وخروج عن الحق إلى الباطل { فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ } أي: إنما يأخذون منه بالمتشابه الذي يمكنهم أن يحرّفوه إلى مقاصدهم الفاسدة، وينزلوه عليها، لاحتمال لفظه لما يصرفونه فأما المحكم فلا نصيب لهم فيه؛ لأنه دامغ لهم وحجة عليهم، ولهذا قال: { ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ } أي: الإضلال لأتباعهم، إيهامًا لهم أنهم يحتجون على بدعتهم بالقرآن، وهذا حجة عليهم لا لهم
قال الشوكاني في تفسير قوله تعالى : (وَابْتِغَاءَ تَأَوِيلِهِ) أي يتعلقون بالمتشابه من الكتاب، فيشككون به على المؤمنين، ويجعلونه دليلا على ما هم فيه من البدع المائلة عن الحق
ثانيا : يعتقدون ويؤصلون ثم يستدلون، فيطوعون نصوص الشرع لإثبات ما قرروه من أفكار واعتقادات
قال النخعي – رحمه الله- في وصف حالهم : دققوا قولا واخترعوا دينا من قبل أنفسهم، ليس من كتاب الله ولا من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: هذا هو الحق وما خالفه باطل
وهنا فرق بين أهل الاتباع والحق، وأهل الباطل والهوى ، فالسني منطلقه النص الشرعي، إذ طلبه ليستهدي به ، أما أهل الأهواء فإنما طلبوا النص ليقوي به بدعته ورأيه
قال وكيع بن الجراح : من طلب الحديث كما جاء فهو صاحب سنة، ومن طلبه ليقوي به رأيه فهو صاحب بدعة
قال ابن تيمية في بيان طريقتهم : وطريق أهل الضلال والبدع بالعكس يجعلون الألفاظ التي أحدثوها ومعانيها هي الأصل ويجعلون ما قاله الله ورسوله تبعا لهم فيردونها بالتأويل والتحريف إلى معانيهم . مجموع الفتاوى (17/ 355)
ثالثا : يكتمون النصوص الشرعية الصحيحة التي تخالف مذاهبهم
قال ابن تيمية في وصف حالهم : فلا تجد قط مبتدعا إلا وهو يحب كتمان النصوص التي تخالفه ويبغضها ويبغض إظهارها وروايتها والتحدث بها ويبغض من يفعل ذلك كما قال بعض السلف ما ابتدع أحد بدعة إلا نزعت حلاوة الحديث من قلبه” درء تعارض النقل والعقل
قال ابن القيم:فسبحان الله كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترد، وكم من حرارة في أكبادهم منها، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها، ستبدو لهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر
“ومصداق ذلك ما رواه البخاري -رحمه الله- في كتاب خلق أفعال العباد بسنده أن جهما قرأ في المصحف، فلما أتى على هذه الآية {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} قال: “والله لو قدرت لحككتها من المصحف
وما لا يستطيعون كتمه وإخفاءه إما أن يضعفوا إسناده أ يحرفنا معناه بما يخدم عقائدهم المنحرفة
:ومن الأمثلة على ذلك ما رواه مسلم من حديث حذيفة رضي الله عنه قال : قال صلى الله عليه وسلم
يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ
فلما كان ذلك صريحا في رد عقيدتهم في الثورات والخروج على السلطان، ضعفوا الحديث بقول لبعض أهل العلم، ولو كانوا منصفين لنظروا في كلام الحفاظ والمحدثين في هذا التضعيف وكيف أنهم بينوا صحته بالبراهين الصحيحة
ومثله : أثر ابن عباس رضي الله عنه في تفسير قوله تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ)المائدة: ٤٤ قال هو كفر دون كفر . وفي رواية: هي به كفر ،وليس كفرا بالله وملائكته وكتبه ورسله ” وفي رواية : إنه ليس بالكفر الذي يذهبون إليه، إنه ليس كفرا ينقل عن الملة
فقد سارعوا إلى تضعيف الأثر لأنه يخالف اعتقادهم ومنهجم في تكفير الحكام، وقد صحح هذا الأثر جهابذة الحديث كالإمام أحمد والحاكم والذهبي وابن تيمية والألباني وغيرهم وبينوا ما أعل به وردوا على من ضعفه
فإن لم يستطيعوا تضعيفه صرفوا معناه بما يناسبهم، مثال ذلك أحاديث السمع والطاعة لولاة الأمر وعدم الخروج عليهم وإن ظلموا ، ثابتة في الصحيحين وفي كتب السنن وعليها شروح جهابذة أهل العلم، صرفوا معناها بأن المقصود بها الخليفة الواحد على جميع ديار المسلمين ولا تنصرف إلى هؤلاء الحكام.
وقد رد العلماء على ذلك وبينوا ضعف هذا القول ، وأنه يلزم منه لوازم باطلة تعطل مقاصد الإسلام الخمسة
رابعا : صفات الأصاغر – أهل البدع والأهواء
:من أبرز صفاتهم التي يعرفون بها
أولا : الطعن في العلماء الربانيين، الذين يبينون شبههم ويردون على بدعهم، وهذه طريقة أهل البدع منذ قديم الزمن
قال الإمام أبو عثمان الصابوني في بيان علامات أهل البدع فقال : وعَلاماتُ أَهلِ البدَعِ عَلى أَهلها بادية ظاهرة ، وأَظهرُ آياتهم وعَلاماتهم شدَةُ مُعاداتهم لحمَلة أَخبار النبِيِّ- صلى الله عليه وعلى آله وسلم- واحتقارهم لهُم ، وتَسميتهم حَشويَّة ، وجَهلة ، وظاهرية ، ومُشبهة ؛ اعتقادا منهُم في أَخبار رسول الله – صلى الله عليه وعلى آله وسلم- أَنَّها بمعزل عن العلم ، وأَن العلم ما يُلقيهِ الشيطانُ إِليهِم من نتائجِ عُقولهم الفاسدة ، ووساوس صُدورهم المُظلِمَة”
قال ابن القطان ( وهو من الحفاظ المحدثين ت 250 هـ ): ليس في الدنيا مبتدع إلا وهو يبغض أهل الحديث، فإذا ابتدع الرجل نزعت حلاوة الحديث من قلبه
وفي هذا الزمان أطلقوا على العلماء الذين ينافحون عن العقيدة الصحيحة ويدعون الناس إلى حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنهم ذيل بغلة السلطان، وعلماء السلاطين، وعلماء الحيض والنفاس، وأنهم من رجال الأمن والمخابرات.
وانتشر في هذا الوقت بالذات وصفهم بالجامية
وهي نسبة إلى الإمام : محمد أمان الجامي رحمه الله ، أستاذ العقيدة بالجامعة الإسلامية، والمدرس بالمسجد النبوي ، والذي أثنى عليه علماء البلد الحرام، وكتبه شاهدة على علمه، لكن لما تكلم على الحزبيين وبين عوارهم وكذبهم وافتراءهم على الشرع باسم الشرع أطلقوا على كل من سلك مسلكه لقب جامي
ومن الألقاب أيضا : المداخلة ، نسبة إلى الشيخ ربيع بن هادي المدخلي ، ولذات السبب لأنه بين عوار القوم، وبين انحرافات كبار مفكريهم
ثانيا : التسرع في إصدار الفتاوى والأحكام فيما يخص مجموع الأمة الإسلامية، ويظهرون أنفسهم أنهم علماء الأمة الذين يجب أن ترجع إليهم في الفتوى
فترى الواحد منهم يأمر مجموع الحكام ويطالب ، ويندد ، ويكفر بالنيابة عن مجموع الأمة
وهذه الفتاوى قد تشمل دماء المسلمين وأعراضهم وأموالهم دون أدنى مبالاة بها
ومن الأمثلة على ذلك البيانات التي يوقعها الدعاة – زعما- ، فتسيل بها الدماء ،كما حصل في فتنة الفلوجة وسوريا ومصر في الآونة الأخيرة
ثالثا : الطعن في ولاة أمر المسلمين ، والتشهير بهم، ونقدهم علانية ، وتكفير بعضهم ، واستعمال لفظ : الطغاة معهم وباستمرار . مع إثارة الشعوب ضدهم
وهذا محرم في شرعنا الإسلامي، كما دلت عليه الأدلة الصحيحة من الكتاب والسنة وأقوال علماء الأمة
ألم يقل صلى الله عليه وسلم : من كانت عنده نصيحة لذي سلطان فلا يكلمه بها علانية , وليأخذ بيده فليخل به , فإن قبلها قبلها , وإلا كان قد أدى الذي عليه
رابعا : التلون والتلاعب بأحكام الشرع، وهو ما يسمى عندهم ( بفقه الحركة) فما يمنعونه في مرحلة يجيزونه في أخرى
فقبل الوصول إلى السلطة : الثورات جائزة بل وهي وسيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بعد الوصول : تحرم الثورات والمظاهرات
قبل الوصول إلى السلطة: لا يجوز قتل المتظاهرين وهم شهداء ، بعد الوصول : يجوز قتلهم فإن لم يقتلهم الحاكم أفتى بعض أصاغرهم بحل دمهم لجمهور الناس.
قبل الوصول إلى السلطة : يجوز اللجوء للمنظمات الأجنبية ضد دول الإسلام، بعد الوصول : يقول قائلهم وقد أطلق على نفسه في تويتر : الإمام : لا يجوز شرعا للوطنيين الشرفاء الاستقواء بالأجنبي ولا الاستعانة به في القضايا الداخلية ، فتلك خيانة عظمى في حق الله تعالى وحق الوطن .
خلال السنين الماضية : رفعوا شعار الحاكمية ، وكل من ترك الحكم في مسألة من مسائل الشرع فهو جعل من نفسه مشرعا مع الله .
واليوم يفتي إمامهم الذي نادى بالحاكمية دهرا: الحرية قبل الشريعة
قبل الوصول للسلطة يقول قائلهم في بعض حكام دول الخليج : لم تجتمع فيع شروط الولاية ، فلما وصولا إلى الحكم قال عن ولي أمرهم : كأني أرى الملائكة معه ، مع أنه لم يستجمع شروط الولاية على حد تعبيره
((قد ثبت عن حذيفة بن اليمان – رضي الله عنه – أنه قال: ((إنَ الضلالةَ حقَّ الضلالة: أن تعرفَ ما كنتَ تنكرُ, وتنكرَ ما كنت تعرف, وإياكَ والتلوُّنَ فِي دِينِ الله فإن دِين الله واحدٌ
عن أبي الشعثاء – رحمه الله – أنه قال: ((خرجنا مع أبي مسعود الأنصاري – رضي الله عنه – فقلنا له: اعهَد إلينا. فقال: عليكم بتقوى الله، ولزوم جماعة محمَّد – صلَّى الله عليه وسلَّم – ، فإن الله تعالى لن يجمع جماعة محمَّد على ضلالة، وإن دِين الله واحد، وإياكم والتلون في دين الله، وعليكم بتقوى الله، واصبِروا حتى يستريحَ بَرٌّ ويُستراح مِن فاجر
وقال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط مسلم، ولم يخرجاه. اهـ ، ووافقه الذهبي
خامسا : الدفاع عن الأحزاب، والجماعات وتنظيمات البدعية ، ومفكريها ، والضيق والحرج إذا ذُكروا بشيء يخدشهم ويُبيِّن مخالفتهم للحقِّ وسبيل السلف الصالح
(( فقد ثبت عن زكريا بن يحيى – رحمه الله – أنه قال: ((سمعتُ أبا بكر بن عياش وقال له رَجلٌ: يا أبا بكر مَن السُّني؟ قال: الذي إذا ذُكرت الأهواء لم يتعصب لشيء منها
سادسا : صرف الناس عن العلماء الربانيين والتزهيد فيهم وذمهم، ومدح أهل البدع والأهواء مع مجالستهم
وقد أخرج ابن عساكر – رحمه الله – في كتابه ((تاريخ دمشق)) (8/15) عن عقبة بن علقمة أنه قال: ((كنتُ عند أرطأة بن المنذر، فقال بعضُ أهل المجلس: ما تقولون في الرَّجُل يُجالس أهل السُّنة ويخالطهم فإذا ذُكر أهل البدع قال: دَعُونا مِن ذِكرهم، لا تذكروهم؟ قال: يقول أرطأة: هو منهم، لا يُلبِّس عليكم أمره. قال: فأنكرتُ ذلك من قول أرطأة، قال: فقدمت على الأوزاعي-وكان كشافًا لهذه الأشياء إذا بلغته-فقال: صَدَق أرطأة، والقول ما قال؛ هذا ينهَى عن ذِكرهم، ومتى يُحذَرُوا إذا لم يُشاد بذكرهم
((ثبت عن الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه – أنه قال: ((اعتبروا الناس بالأخدان؛ فإن الرَّجل لا يُخادن إلا مَن رَضِيَ نحوه أو حاله
(( وفي لفظٍ آخر: ((اعتبروا الناس بأخدانهم؛ فإن الرَّجُل يُخادن مَن يُعجبه نحوه
خامسا : دور الأصاغر في إثارة الفتن
إذا تأملنا تاريخ الفتن في بلاد المسلمين فإنا نجد أن للأصاغر دورا كبيرا جدا في إشعال الفتن وتأجيج نارها، وأضرب مثالا من عهد الصحابة رضوان الله عليهم يبين الحال
الخوارج الذين خرجوا زمن علي رضي الله عنه، لما ناظرهم عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال لهم : أَتَيْتُكُمْ مِنْ عِنْدِ صَحَابَةِ النَّبِىِّ – صلى الله عليه وسلم – مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ لأُبْلِغَكُمْ مَا يَقُولُونَ وَتُخْبِرُونِى بِمَا تَقُولُونَ فَعَلَيْهِمْ نَزَلَ الْقُرْآنُ، وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْوَحْىِ مِنْكُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ
فدل قوله رضي الله عنه (وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْوَحْىِ مِنْكُمْ وَفِيهِمْ أُنْزِلَ وَلَيْسَ فِيكُمْ مِنْهُمْ أَحَدٌ) أن الخوارج لم يكن معهم أحد من العلماء والأكابر، وإنما هم أصاغر في العلم والسن، وكانوا هم سبب الفتنة زمن علي رضي الله عنه
وفي زماننا في فتنة ما يسمى بالربيع العربي نجد دور الأصاغر ظاهرا في إشعال الفتنة التي أريقت فيها الدماء وانتهكت الأعراض وسلبت فيها أموال الدول والأفراد وضيعت فيها أحكام الشرع.
فالذين يشعلون نار هذه الفتنة إنما هم أهل البدع من رؤوس الأحزاب السياسية التي تنتسب للدين كذبا وزورا ، فيصدرون الفتاوى ويثيرون الناس، ويكفرون الحكام، ويطعنون على الدول والشعوب
وأما الأكابر من علماء أهل السنة فإنهم يدعون إلى اجتناب الفتن والسمع والطاعة لولي أمر المسلمين وإن كان ظالما حفظا للدين وحقنا للدماء وحفظا للأعراض والأموال والعقول، وهذا دأبهم من أول الفتنة إلى هذا الوقت
وقد أظهرت هذه السنين صدقهم، وأظهرت كذب وزيف الأصاغر في دعواهم وشعاراتهم الذي ينطبق عليها قول علي رضي الله عنه: كلمة حق أريد بها باطل
وأخيرا أسأل الله أن يوفقنا لخدمة دينه ونصر سنته ، والله أعلم