بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أنّ لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمدا عبده ورسوله، أما بعد
إخواني الأفاضل
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ” إِنَّهُ لَمْ يَكُنْ نَبِيّ قَبْلِي إِلاَّ كَانَ حَقًّا عَلَيْهِ أَنْ يَدُلَّ أُمَّتَهُ عَلَى خَيْرِ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ وَيُنْذِرَهُمْ شَرَّ مَا يَعْلَمُهُ لَهُمْ” رواه مسلم ، وإنّ مما بينه لنا النبي صلى الله عليه وسلم الفتن وطريق النجاة منها ليسلم المسلم على دينه ونفسه وعقله وعرضه ونسله وماله
ومن الأحاديث التي بين فيها النبي صلى الله عليه وسلم الفتن وحذر منها والطريق المنجي منها ما رواه البخاري ومسلم عن حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ – رضي الله عنه – قال: كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْخَيْرِ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ؛ مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِي، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ : إِنَّا كُنَّا فِي جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ ؟
»قَالَ: « نَعَمْ
قُلْتُ: وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ ؟
» قَالَ: « نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ
قُلْتُ: وَمَا دَخَنُهُ ؟
»قَالَ : « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ
قُلْتُ: فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ؟
»قَالَ « نَعَمْ ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا
قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا
»قَالَ: « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا
قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ ؟
»قَالَ: « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ
قُلْتُ: فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ
»قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ
فما أوضحه من بيان، وأدقه من تعبير
فذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم الفتنة وطريق الخلاص منها بأوجز عبارة، وجعلها قاعدة كلية، تبين للمسلم الطريق الواجب سلوكه عند اختلاف الأمور واختلاط الأحوال وكثرة الشبهات
:والفتنة التي ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث فتنتان
الأولى : فتنة الشبهات والتحريف والاختلاف في أحكام الدين، حتى لا يُعرف حق من باطل، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا، هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا” وفي رواية عند أبي داود : ” فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ صَمَّاءُ عَلَيْهَا دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ النَّارِ” أي تعمي وتصم عن اتباع الحق، أو أنّ الناس لا يعرفون الحق فيما من الباطل لكثرة الاختلاف والافتراق، وفي تمام الحديث قال صلى الله عليه وسلم: ” فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا” فدل على وجود أحزاب وفرق مختلفة.
“الثانية : فتنة الخروج على ولاة أمر المسلمين، ولذلك قال : ” تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا
:ثم ذكر صلى الله عليه وسلم العلاج من هاتين الفتنتين المتمثل في
العلاج الأول : لزوم جماعة المسلمين وإمامهم
والجماعة جماعتان : جماعة الدين والحق وأهله ، فالاجتماع المأمور به هو الذي يكون على الكتاب والسنة على طريق سلف الأمة رحمهم الله من الصحابة والتابعين والعلماء الربانيين
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الجماعة في حديث الافتراق، فقال : ” وَإِنَّ هَذِهِ الْمِلَّةَ سَتَفْتَرِقُ عَلَى ثَلاَثٍ وَسَبْعِينَ ثِنْتَانِ وَسَبْعُونَ في النَّارِ وَوَاحِدَةٌ في الْجَنَّةِ وَهِىَ الْجَمَاعَةُ” رواه أبوداود.وفي رواية عند الترمذي ” ما أنا عليه وأصحابي
الجماعة الثانية : الاجتماع على إمام المسلمين وجماعته مهما كانت صفة هذا الإمام من حيث العدل أو الفسق والظلم، فقد وردت رواية في صحيح مسلم بين فيها النبي صلى الله عليه وسلم صفة لبعض هؤلاء الأئمة الذي حث على لزومهم فقال : يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاي وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ” فصفتهم مخالفة الشرع، وعدم متابعة النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك لما سأله حذيفة: كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ ؟
»فذكر له العلاج من هذه الفتنة فقالَ له « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ
“العلاج الثاني: اعتزال هذه التحزبات والفرق كلها وعدم اتباع واحد منها، وفي رواية عند أبي داود قال صلى الله عليه وسلم: ” فَإِنْ تَمُتْ يَا حُذَيْفَةُ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلٍ خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتَّبِعَ أَحَدًا مِنْهُمْ
فدل الحديث النبوي على أن لزوم جماعة المسلمين وإمامهم الذي عليهم، وترك الخروج عليه، وعدم اتباع التحزبات والفرق الخارجة على جماعة المسلمين وإمامهم هو الطريق المنجي من الفتن ومن سوء عاقبتها
فأين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذا التوجيه النبوي وهم يفرقون المجتمعات إلى أحزاب تسمى بأحزاب المعارضة، وأحزاب دينية، وأحزاب دنيوية، تتقاتل فيما بينها للوصول إلى الحكم، وكل مها يكيد للآخر
أين دعاة الفتن والثورات والربيع العربي من هذا التوجيه النبوي وهم يدعون الشعوب للخروج عن جماعة المسلمين والخروج على الحاكم بحجة عدم صلاحيته للحكم والسلطة، والنبي صلى الله عليه وسلم بينّ في الحديث حالتين لا ثالث لهما
الأولى : وجود حاكم على الجماعة المسلمة، فأرشد إلى لزومه وعدم الخروج عليه، مهما كانت صفته وحاله
الثانية: عدم وجود حاكم على الجماعة المسلمين، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم إلى ترك هذه الأحزاب كلها، وعدم اتباع واحد منها دينية – بدعية – كانت أو دنيوية
وقد دل الواقع المرير في أحداث ثورات الربيع العربي التي خالفت فيها الشعوب هدي النبي صلى الله عليه وسلم في الفتن سوء عاقبة مخالفة الهدي النبوي، فوقعت في الذل والمهانة والقتل والتشريد والنهب
فمن أراد النجاة فليزم هدي النبي صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام
وفقنا الله لما يحيه ويرضاه