:الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد
فلا يخفى على العاقل اللبيب، والفطن الأريب تلك الهجمات المتجددة، والشبهات المتنوعة؛ التي تثار ضد السنة النبوية بين الحين والآخر؛ من التشكيك في مكانتها وثبوتها، والطعن في رواتها ودلالتها، والتنقص من مدوناتها، سواء كان ذلك من المستشرقين والعلمانيين، أو العقلانيين والليبراليين، وقد تصدى أهل العلم قديما وحديثا لتفنيد هذه الشبهات، ومناقشتها بالحجج والبينات، وألفوا في ذلك المؤلفات
ولما رأيت تجدد هذه الشبهات، وكثرة سؤال فئة الشباب عن هذه الإشكالات؛ أحببت المشاركة بجهد المقل، في إعداد سلسلة بعنوان ” دفاعا عن السنة “؛ لمناقشة أبرز الشبهات المثارة، بعبارة سهلة، ولغة ميسرة، حتى تؤدي الهدف المقصود من تحصين عقول الشباب ضد هذه الشبهات، هذا وأسأل الله أن يبارك في هذا الجهد، وأن يجعله خالصا لوجهه الكريم
نص الشبهة الأولى : قالوا : لو كانت السنة حجة ومصدرا للتشريع، فلماذا لم يتكفل الله بحفظها كما تكفل بحفظ القرآن الكريم، فقد قال الله في شأن القرآن : ” إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون “، ولم يقل مثل ذلك في السنة، والواقع يؤكد ذلك فإننا نجد في السنة الصحيح والضعيف، ولا نجد ذلك في القرآن، فلو كانت محفوظة لما وقع فيها هذا الاختلاف
:والرد على هذه الشبهة من خمسة وجوه
أولا: أن هذه الشبهة دعوى غير مبرهنة، والتفكير الناقد يقتضي أن يقال لصاحب هذه الشبهة من أين لك أن الله لم يتكفل بحفظ السنة؟ أثبت بينة دعواك، فالدعاوى المرسلة من غير بينات لا تقبل عند العقلاء
ثانيا: أن الاستدلال بهذه الآية على نفي حفظ الله للسنة لا يستقيم، ولا شك أن الآية تدل على حفظ الذكر، وليس في الآية دلالة على نفي الحفظ لغير القرآن، فمن أين أخذتم من هذه الآية عدم حفظ السنة؟
ثالثا: أن الآية تتكلم عن حفظ ( الذكر )، ولا شك أن القرآن من الذكر، ولكن هل تنفون أن تكون السنة من الذكر، قال ابن حزم رحمه الله : ” ولا خلاف بين أهل اللغة والشريعة في أن كل وحي نزل من عند الله تعالى فهو ذكر منزل …. والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم من قرآن أو من سنة ” الإحكام ( 1/ 117
رابعا: أن الله تكفل ببيان القرآن، كما قال تعالى : ” إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأنه فاتبع قرءانه* ثم إن علينا بيانه “، وأخبر سبحانه بأن النبي صلى الله عليه وسلم مكلف بتبيين الذكر المنزل إليه، كما في قوله : ” وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون”؛ ولا شك أن البيان جزء من المبين، وحفظ المبين – القرآن – يستلزم حفظ البيان – السنة -، فمثلا تجد النص القرآني في فريضة الصلاة جاء مجملا، وبيانه في السنة، فالسنة تبين مجمل القرآن، وقد حرر الشافعي هذا التحقيق في كتابة الرسالة وبين العلاقة بين السنة والقرآن، فقال : ” والآخر : مما أنزل الله فيه جملة كتاب، فبين – أي النبي صلى الله عليه وسلم –عن الله معنى ما أراد …” ص 41
خامسا: أن الواقع بخلاف ما ذكره أهل هذه الشبهة، فالسنة محفوظة من الله تعالى، وأما الاستدلال بوجود الضعيف والصحيح فهو حجة عليهم، لأن تمييز الضعيف عن الصحيح، والثابت عن غير الثابت، إنما يدل على العناية والضبط والإتقان، ولا تدل على الإهمال، ولو علم أهل هذه الشبهة أبجديات طرق المحدثين في التصحيح والتضعيف والتعليل، والجرح والتعديل لعلموا آثار حفظ الله لسنته، ثم يقال لهم أن هناك من حرف القرآن، وتقول على الله تعالى، ونسب آيات للقرآن، وزعم أنها مفقودة وضائعة! فهل يقول أصحاب هذه الشبهة أن هذا ينافي حفظ الله تعالى للقرآن الكريم أو يشكك في حجيته ؟؟
هذا ما يتعلق بالشبهة الأولى، وتليها الشبهة الثانية بإذن الله تعالى، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه وأتباعه أجمعين إلى يوم الدين
كتبه د. صالح عبدالكريم في عصر يوم السبت 14 / 7 / 1439 الموافق 31 / 3 / 2018م