:الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فإن من أجل العبادات التي امتاز بها شهر رمضان عن غيره من الشهور الدعاء، وقد قال الله تعالى: {وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ} [البقرة: 186
:هذه الآية ذكرها الله عز وجل في وسط آيات أحكام الصيام للتنبيه على منزلة الدعاء في هذا الشهر المبارك، وقد تكاثرت أدلة السنة على ذلك
فعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ للَّهِ فِي كُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ عُتَقَاءَ مِنَ النَّارِ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ، وَإِنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ دَعْوَةً يَدْعُو بِهَا فَيُسْتَجَابُ لَهُ»([1
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثَلَاثٌ لَا تُرَدُّ دَعْوَتُهُمْ: الْإِمَامُ الْعَادِلُ، وَالصَّائِمُ حَتَّى يُفْطِرَ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ يَرْفَعُهَا اللَّهُ فَوْقَ السَّحَابِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ»([2
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ لِلصَّائِمِ عِنْدَ فِطْرِهِ لَدَعْوَةً مَا تُرَدُّ» قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ: سَمِعْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرٍو، يَقُولُ إِذَا أَفْطَرَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْأَلُكَ بِرَحْمَتِكَ الَّتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ أَنْ تَغْفِرَ لِي»([3
والدعاء شأنه عظيم، قال صلى الله عليه وسلم: «لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَ الدُّعَاءِ»([4
وعن النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ» ثُمَّ قَرَأَ {وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر: 60]([5
وعن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا عَلَى الأَرْضِ مُسْلِمٌ يَدْعُو اللَّهَ بِدَعْوَةٍ إِلَّا آتَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا أَوْ صَرَفَ عَنْهُ مِنَ السُّوءِ مِثْلَهَا مَا لَمْ يَدْعُ بِإِثْمٍ أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ»، فَقَالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: إِذًا نُكْثِرُ، قَالَ: «اللَّهُ أَكْثَرُ»([6
وعن سلمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ رَبَّكُمْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى حَيِيٌّ كَرِيمٌ، يَسْتَحْيِي مِنْ عَبْدِهِ إِذَا رَفَعَ يَدَيْهِ إِلَيْهِ، أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا»([7
فالدعاء: هو السلاح، وهو والنجاح، وهو العبادة، وهو الإنابة، بل هو أعظم نعمة، قال الله عن خليله إبراهيم: {وَأَدْعُو رَبِّي عَسَى أَلَّا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا } [مريم: 48
وهذا فيه أن الدعاء لا يكون معه الشقاء، بل يدفعه، ويكون صاحبه من السعداء، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللهَ يَقُولُ: أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ إِذَا دَعَانِي»([8
وهذا فيه أن ترك الدعاء سوء ظن بالله تعالى
فالزم الدعاء أخي المسلم، وانظر ما عند الله تعالى، وعلق رجاءك به، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: يَا ابْنَ آدَمَ إِنَّكَ مَا دَعَوْتَنِي وَرَجَوْتَنِي غَفَرْتُ لَكَ عَلَى مَا كَانَ فِيكَ وَلَا أُبَالِي»([9
فرمضان شهر الدعاء , وقد قال نبينا عليه الصلاة والسلام «مَنْ قَامَ رَمَضَانَ إِيمَانًا وَاحْتِسَابًا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ»([10])، وقيام رمضان يكون بالصلاة، ويكون بالذكر، ويكون بالدعاء، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله أرأيت إن علمت أي ليلة ليلة القدر ما أقول فيها؟ قال: «قُولِي: اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي»([11
([1]) رواه البزار.
([2]) رواه الطبراني في الأوسط وغيره.
([3]) رواه ابن ماجه.
([4]) رواه أحمد والترمذي، والبخاري في الأدب المفرد، وغيرهم.
([5]) رواه الترمذي، وأبو داود، وابن ماجه.
([6]) رواه الترمذي.
([7]) رواه أبو داود، الترمذي، وابن ماجه.
([8]) متفق عليه، واللفظ لمسلم.
([9]) رواه الترمذي.
([10]) متفق عليه.
([11]) رواه الترمذي وغيره.