الحمدلله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد
فإنه لا يخفى على العاقل اللبيب، والموفق الحبيب، سرعة انقضاء الدهور، وتصرم الشهور؛ مما يوجب الاستعداد ليوم النشور، والتنائي عن دار الغرور، وكما قال القائل
وما هي إلا ليلة ثم يومها *** وحول إلى حول وشهر إلى شهر
مطايا يقربن الجديد إلى البلى *** ويدنين أشلاء الكريم إلى القبر
وفي هذه الأيام يكثر من الحريصين السؤال عن شهر رجب، وما أحدث فيه الناس من عجب؛ فجمعت هذه الكلمات؛ لتكون تذكيرا بفوائد مهمات، وتحذيرًا من أحاديث منكرات ومخالفات ومحدثات ، في عشريات متنوعات
عشرة فوائد رجبية علمية
سمي رجب رجبًا لأنه يرجب ، أي يعظم ، قال الفيروزآبادي في القاموس المحيط : ( رجب فلانا : هابه وعظمه….ومنه رجب لتعظيمهم إياه ) [ بتصرف: 83
رجب يجمع في اللغة على أرجاب ورجوب ورجاب ورجبات . [لسان العرب لابن منظور م 5 ص 139 ] ، ويجمع مع شعبان فيقال : الرجبان .[معجم تهذيب اللغة للأزهري م 2 ص 1362
إضافة رجب إلى مضر بسبب تعظيمهم له ؛ قال الفتني في مجمع بحار الأنوار : (ومنه رجب مضر الذي بين جمادى وشعبان، إضافة إلى مضر لأنهم عظموه ) [2/292
من أسماء شهر رجب : رجب مضر ، ومنصل الأسنة ، والأصم ، والأصب ، ومعلى ، وفرد … وغيرها إلى ثمانية عشر اسما ! [انظر لطائف المعارف لابن رجب 169
شهر رجب من الأشهر الحرم التي قال الله فيها : { إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِندَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ۚ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ ۚ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنفُسَكُمْ } [التوبة: 36] والأشهر الأربعة الحرم هي: ذو القعدة ، وذو الحجة ، ومحرم ، ورجب ؛ لما ثبت في الصحيحين عن أبي بكرة رضي الله عنه عن النبي ﷺ أنه قال: ” أَلَا إِنَّ الزَّمَانَ قَدِ اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ , السَّنَةَ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا , مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ , ثَلاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ ؛ ذُو الْقَعْدَةِ وَذُو الْحِجَّةِ وَالْمُحَرَّمُ ، وَرَجَبٌ شَهْرُ مُضَرَ بَيْنَ جُمَادَى وَشَعْبَانَ ” [ رواه البخاري: 4662، ومسلم 1679
اختلف أهل العلم : (لم سميت هذه الأشهر الأربعة حرما ؟ فقيل : لعظم حرمتها وحرمة الذنب فيها، وقيل : إنما سميت حرما لتحريم القتال فيها وكان ذلك معروفا في الجاهلية ، وقيل: إنه كان في عهد إبراهيم عليه السلام ، وقيل : إن سبب تحريم هذه الأشهر الأربعة بين العرب لأجل التمكن من الحج) [ لطائف المعارف بتصرف: 166
لا تصح فضائل خاصة لشهر رجب في العبادت كالصيام والصلاة والزكاة والعمرة . [انظر السنن والمبتدعات للشقيري ص 141
شهر رجب من الأشهر التي تكثر فيها البدع وهي منتشرة في كثير من البلدان ، والناظر في كتب البدع يلمس كثرة ما ذكر فيها من المحدثات
الأحاديث الواردة في رجب لا تخلو من ضعف ، قال ابن القيم : ( وكل حديث في ذكر صوم رجب وصلاة بعض الليالي فيه فهو كذب مفترى ) [المنار المنيف 1/96] ، وقال ابن حجر : ( وأما الأحاديث الواردة في فضل رجب، أو في فضل صيامه ، أو صيام شي منه صريحة : فهي على قسمين : ضعيفة وموضوعة ) [ تبيين العجب فيما ورد في فضل رجب 6،8
العتيرة الرجبية وهي ما يذبح في رجب خصوصا لله تعالى مما وقع فيه الاختلاف ، وأكثر أهل العلم على منعها ؛ لحديث أبي هريرة رضي الله عنه عند الشيخين : ” لا فرع ولا عتيرة ” [رواه البخاري برقم 5156 ومسلم برقم 1976 وذهب الكثير إلى أنه كان مشروعا في صدر الإسلام ثم نسخ . [انظر الاعتبار في الناسخ والمنسوخ من الآثار للحازمي ص 388
عشرة أحاديث رجبية ضعيفة
” اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ” [المقاصد الحسنة للسخاوي: 489
” رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي ” [كشف الخفاء للعجلوني:2/13
” إن في الجنة نهرا يقال له: رجب ، ماؤه أشد بياضا من اللبن ، وأحلى من العسل ، من صام من رجب يومًا واحدًا، سقاه الله من ذلك النهر “ [ ميزان الاعتدال للذهبي 4/189
” رجب شهر عظيم يضاعف الله فيه الحسنات من صام يومًا من رجب فكأنما صام سنة …” [ميزان الاعتدال 5/62
” سمي رجب لأنه يترجب فيه خير كثير لشعبان ورمضان ” [ السلسلة الضعيفة للألباني 8/189
” فضل رجب على الشهور كفضل القرآن على سائر الكلام ” [كشف الخفاء للعجلوني 1/95
” لا تغفلوا عن أول جمعة من رجب فإنها ليلة يسميها الملائكة الرغائب ” [ الفوائد المجموعة للشوكاني48
” من صلى ليلة سبع وعشرين من رجب اثنتي عشرة ركعة … “ [تبين العجب لابن حجر ص 17
” من صلى ليلة النصف من رجب أربع عشرة ركعة … “ [تبين العجب لابن حجر ص 20
” بعثت نبيا في السابع والعشرين من رجب “[تبين العجب لابن حجر ص 25
عشرة مخالفات رجبية منتشرة
بدعة صلاة الرغائب: وهي اثنتا عشرة ركعة تصلى بعد المغرب في أول جمعة من رجب بست تسليمات، ويقرأ في كل ركعة بعد الفاتحة سورة القدر ثلاثا والإخلاص ثنتي عشرة مرة ، وبعد الإنتهاء من الصلاة يصلي على النبي سبعين مرة ويدعو بما شاء ، وهي بدعة منكرة مستندها حديث موضوع، حذر منها العلماء قديما وحديثا ، قال النووي: ( هي بدعة قبيحة منكرة أشد إنكار، مشتملة على منكرات ، فيتعين تركها والإعراض عنها ، وإنكارها على فاعلها ) [فتاوى النووي260] وانظر [المدخل لابن الحاج م4 / ص 254 والحوادث والبدع للطرطوسي ص 132 والإبداع في مضار الابتداع لمحفوظ ص 54
وقال ابن النحاس : ( وهي بدعة ، الحديث الوارد فيها موضوع باتفاق المحدثين ) [ تنبيه الغافلين ص 496
وقال ابن تيمية : (والأثر الذي ذكر فيها كذب موضوع باتفاق العلماء، ولم يذكره أحد من السلف والأئمة أصلا) [مجموع الفتاوى 23/132] ، وقال ابن رجب : ( والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب في أول ليلة جمعة من شهر رجب كذب وباطل لا تصح ، وهذه الصلاة بدعة عند جمهور العلماء ) [لطائف المعارف172
بدعة الإحتفال بليلة الإسراء والمعراج في ليلة السابع والعشرين من رجب: وهذا أيضا مما أحدثه الناس في هذا الشهر وهو من البدع المحدثة، وليس له أصل في الشرع، وقد نبه على ذلك المحققون من أهل العلم، وليلة الإسراء والمعراج لم تعلم عينها، وحتى لو ثبت تعيين تلك الليلة لم يجز لنا أن نحتفل بها ، ولا أن نخصصها بشي لم يشرعه الله ولا رسوله ﷺ ولم يحتفل بها خلفاؤه الراشدون وبقية أصحابه رضي الله عنهم، ولو كان ذلك سنة لسبقونا إليه، والخير كله في اتباعهم والسير على مناهجهم، قال ابن تيمية : ( لم يقم دليل معلوم لا على شهرها ، ولا على عشرها ، ولا على عينها ؛ بل النقول في ذلك مختلفة ، ليس فيها ما يقطع به ) انظر زاد المعاد لابن القيم 1 / 58 ، قال ابن رجب : ( وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد ، أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم كان سابع وعشرين من رجب ، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره ) { لطائف المعارف ص 143
العمرة الرجبية: يحرص بعض الناس على الاعتمار في رجب، اعتقادا منهم أن للعمرة فيه مزيد مزية، وهذا لا أصل له، واعتمار بعض السلف فيه لا يدل على التخصيص ، قال ابن العطار: ( ومما بلغني عن أهل مكة – زادها الله تشريفا – اعتيادهم كثرة الاعتمار في رجب ، وهذا مما لا أعلم له أصلا ) [ البدع الحولية للتويجري 238
تخصيص رجب بالصيام: لم يصح فضل الصوم في رجب بخصوصه شيء عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه، وإنما يشرع فيه من الصيام ما يشرع في غيره من الشهور، من صيام الأثنين والخميس والأيام الثلاثة البيض وصيام يوم وإفطار يوم. [ البدع والنهي عنها لابن وضاح 44
صلاة اثنتي عشرة ركعة التي تكون في ليلة سبع وعشرين من رجب [ السنن والمبتدعات للشقيري ص 180 والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص 174
تخصيص رجب بإخراج الزكاة ؛ قال ابن رجب : ( ولا أصل لذلك في السنة ، ولا عرف عن أحد من السلف ) [لطائف المعارف 174
اعتقاد وقوع حوادث عظيمة في رجب، كولادة النبي ﷺ وغيرها. [لطائف المعارف 175
بدعة الصلاة الألفية: وهي تصلى في أول رجب ونصف شعبان. [ انظر السنن والمبتدعات للشقيري 179 والأمر بالاتباع للسيوطي ص 176
بدعة صلاة أم داود : وهي تصلى في نصف رجب. [ انظر اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية 1/168 والباعث على إنكار البدع والحوادث لأبي شامة ص 40
تخصيص زيارة قبر النبي ﷺ في رجب.[ أحكام الجنائز للألباني258
وفي الختام نسأل الله أن يجعلنا ممن يعظمون حرماته ويلتزمون سنة النبي ﷺ ظاهرا وباطنا إنه ولي ذلك والقادر عليه وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين