نشرت في صحيفة الرؤية بتاريخ 18/2/2014
لو فتشنا في مشاعر الآباء والأمهات تجاه أولادهم لوجدنا حبا يختلف عن سائر أنواع الحب ، حب شعاره العطاء ثم العطاء فالآباء والأمهات يبذلون كل ما يقدرون عليه لأولادهم دون انتظار أي مردود مادي منهم ، فهم في عيون الآباء والأمهات كما قال الله تعالى : ( زينة الحياة الدنيا ) ولو سألنا أُما عقها ابنها ماذا تتمنين له ؟ فسيكون جوابها في الغالب أتمنى له الخير مع أنه أساء إليها ولكنه قلب الأم وهكذا أيضا قلب الأب ، ولكن هل يعي الأولاد مثل هذه المشاعر ؟ وهل يعلمون أنهم حقا وصدقا فلذة الكبد ؟ فحتى لو تزوج الابن وتزوجت البنت فسيظلون في نظر آبائهم وأمهاتهم أولادا لهم مشاعر المحبة الصادقة التي كانت موجودة من قبل وإن كان التعبير عن المحبة يختلف باختلاف المراحل العمرية للأولاد .
إن بعض الأولاد لا يقدرون مشاعر الآباء والأمهات ولا يتصورونها بل قد ينظرون إلى هذه المشاعر نظرة سلبية ، فهذا الشاب يتصور أن والده يتحكم به ، وهذه الفتاة تتصور أن أمها تقيد حريتها ، وغدا إذا كبر الأبناء أيقنوا أن هذه المشاعر التي كانوا يرونها من آبائهم وأمهاتهم إنما هي مشاعر الحب والتقدير والمحافظة على الشيء الغالي النفيس ، وسيتعامل الأبناء غدا مع أبنائهم بنفس الطريقة ، ولن يتصور الأبناء هذه المشاعر إلا إذا كبروا ورزقهم الله تعالى بأبناء فعندها سيعلمون لماذا سمي الولد بفلذة الكبد ، لذلك علينا جميعا تقدير هذه المحبة التي تكون في قلوب الآباء والأمهات ، فحتى لو كان الوالد قاسيا جافا والأم في نظر ابنتها شديدة ولا تعبر عن حبها لابنتها فعلينا جميعا أن نعلم أن عدم إظهار هذا الحب بالطريقة التي نريدها ليس دليلا على عدم وجود المحبة ، فكم من الآباء والأمهات يحبون أبناءهم حبا عظيما ولكنهم لا يجيدون التعبير عن هذا الحب بالطريقة التي يريدها الأبناء ، فعندما تسافر وتجد اتصالا من والدك فاعلم أنه يحبك وهذا الاتصال من طرق التعبير عن المحبة ، وعندما تتأخر في الوصول للمنزل وتجد عتابا من والدتك فاعلم بأنها تحبك وهذه طريقتها في التعبير عن حبها لك ، وقد تمر عليك بعض المواقف ستعلم عندها بأنك فعلا فلذة الكبد عند والديك فارحم ضعفهما وكبر سنهما وعليك ببرهما والإحسان إليهما ، فهذه اليد التي تقبلها إذا دخلت المنزل أو خرجت منه قد لا تجدها غدا إذا غادرت الوالدة الدنيا ، وهذه الجبهة الطيبة التي تقبلها اليوم قد لا تجدها غدا إذا رحل والدك عن الدنيا ، وما أحوجنا والله أن نطبق قول ربنا تعالى : ( واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمها كما ربياني صغيرا ) ، فمن بَرهما فاز وربح وحاز الخير من أطرافه ، وهذا البر من أعظم أسباب جلب الخيرات وتفريج الكربات ، ومن أعظم علامات التوفيق للخير حرص الأولاد على بر آبائهم وأمهاتهم ، من أعظم علامات الشقاء والحرمان عقوق الوالدين فهذه المعصية الشنيعة عقوبتها معجلة في الدنيا قبل الآخرة نسأل الله العافية والسلامة ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ” ما من ذنب أجدر أن يعجل لصاحبه العقوبة مع ما يدخر له من البغى وقطيعة الرحم” ، ومهما كانت المناصب التي وصلت إليها أو الشهادات التي حصلت عليها والوظائف التي كلفت بها فلا تنس أنك كنت وستظل عند والديك فلذة الكبد.