:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
(فإن من أعظم نعم الله تعالى على الإنسان نعمة الأبناء فقد قال الله تعالى : ﴿ الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا
وإذا أردت أن تعرف عظيم نعمة الله بإعطائك الولد فاسأل من لم يُرزق بنعمة الأبناء ، كيف حاله ؟ ومشاعره ؟! ثم قل : الحمد لله على هذه النعمة العظيمة
ومن كمال هذا الدين العظيم أن شرع لنا رب العالمين بعض الأحكام الشرعية المتعلقة بالمولود , أود أن اذكرها لكم على وجه الاختصار ليعم الخير والنفع إن شاء الله تعالى
:فمن أهم هذه الأحكام إخواني الأفاضل
أن لا يعترض الإنسان على حكم الله ورزقه , فإن رزقك اللهُ الإناث فقل : الحمد لله ، وإن رزقك الذكور فقل : الحمد لله قال الله تعالى : ﴿ لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ .
قلت هذا لأن بعض الناس من الرجال والنساء هداهم الله جميعا قد ينظر بنظرة جاهلية لجنس المولود ، فإن كان المولود أنثى تمنى أن يكون ذكرًا ، وإن كان ذكرًا تمنى أن يكون أنثى وهذا خطأ ، فالزرق من عند الله سبحانه وتعالى ، فاسأل الله الخير واستعذ بالله من الشر
فالعبرة إخواني الأفاضل بالبركة في الأبناء فكم من بنت فاقت الذكور وكانت أنفع لأبويها من عشرات الذكور ، وكم من ذكر فاق الإناث في الصلاح والتقوى والنفع
وتأمل في صنيع أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها : كانت إذا ولد فيهم مولود أي : في أهلها لا تسأل غلاما ولا جارية , وإنما تقول: خلق سويا ؟ فإذا قيل : نعم ، قالت : الحمد لله رب العالمين
ولكن وللأسف الشديد بعض الناس وهم قلة إن شاء الله قد ينظرون لمن يرزق بأنثى نظرة حزن على حاله وهذا لا يجوز ، فحال أهل الجاهلية كان كما قال الله :﴿ وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ ﴾.
حتى لو قدر الله تعالى ورزق الإنسان بطفل معاق فليرض بما كتب الله له عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : مَنْ يَأْخُذُ عَنِّي هَؤُلَاءِ الْكَلِمَاتِ فَيَعْمَلُ بِهِنَّ أَوْ يُعَلِّمُ مَنْ يَعْمَلُ بِهِنَّ ، فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ فَقُلْتُ : أَنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَخَذَ بِيَدِي فَعَدَّ خَمْسًا وَقَالَ :اتَّقِ الْمَحَارِمَ تَكُنْ أَعْبَدَ النَّاسِ وَارْضَ بِمَا قَسَمَ اللَّهُ لَكَ تَكُنْ أَغْنَى النَّاسِ وَأَحْسِنْ إِلَى جَارِكَ تَكُنْ مُؤْمِنًا وَأَحِبَّ لِلنَّاسِ مَا تُحِبُّ لِنَفْسِكَ تَكُنْ مُسْلِمًا وَلَا تُكْثِرْ الضَّحِكَ فَإِنَّ كَثْرَةَ الضَّحِكِ تُمِيتُ الْقَلْبَ.
:ومن الأحكام المتعلقة بالمولود
حسن اختار الاسم فلا بد أيها الأب الفاضل وأيتها الأم الكريمة من تسمية المولود بالاسم الحسن الذي لا يُعير به في المستقبل ، وأيضا الذي لا محظور فيه ولا خطأ .
وأحب الأسماء إلى الله عبدالله وعبدالرحمن هكذا قال النبي ﷺ ، فاحرص بارك الله فيك على ذلك
وكان نبينا عليه الصلاة والسلام يحرص غاية الحرص على الاسم الحسن ويغير الاسم القبيح فعَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّ ابْنَةً لِعُمَرَ كَانَتْ يُقَالُ لَهَا عَاصِيَةُ فَسَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَمِيلَةَ
قال بعض أهل العلم : (( وهذا باب عجيب من أبواب الدين , وهو العدول عن الاسم الذي تستقبحه العقول وتنفر منه النفوس , إلى الاسم الذي هو أحسن منه , والنفوس إليه أميل , وكان النبيصلى الله عليه وسلم شديد الاعتناء بذلك…
وهنا مسألة يسألها البعض : متى يسمى المولود؟
فالجواب إن كنتَ عيّنت الاسم قبل الولادة فأظهر الاسم بعد الولادة مباشرة فعن أبي موسى رضي الله عنه قال : وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَأَتَيْتُ بِهِ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَمَّاهُ إِبْرَاهِيمَ فَحَنَّكَهُ بِتَمْرَةٍ وَدَعَا لَهُ بِالْبَرَكَةِ وَدَفَعَهُ إِلَيَّ وَكَانَ أَكْبَرَ وَلَدِ أَبِي مُوسَى.
((وقد بوب البخاري رحمه الله على هذا الحديث : (( باب تسمية المولود غداة يولد لمن لم يعق عنه وتحنيكه
((أما إذا لم يكن اسم الطفل قد تحدد فإنه يسمى في اليوم السابع ، فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى
ويستحب لك أخي الكريم أن تحنك المولود بأي شيء له طعم حلو خاصة التمر فأغلب الروايات التي فيها ذُكر التحنيك ذكرت التمر .
فإن قال قائل ولم هذا ؟
فأقول : قل سمعنا وأطعنا ، هذا هو حال المسلم مع سنة النبي صلى الله عليه وسلم.
وصفة التحنيك :
أن تأتي بالقطعة اليسيرة من التمر فتمضغها ثم تضعها في فم الطفل بعد ولادته مباشرة ، فإن لم يوجد التمر فبأي شيء حلو الطعم.
والتحنيك مستحب للذكر والأثنى : قالت أم سليم لابنها أنس رضي الله عنه لما وضعت : يَا أَنَسُ لَا يُرْضِعُهُ أَحَدٌ حَتَّى تَغْدُوَ بِهِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا أَصْبَحَ احْتَمَلْتُهُ فَانْطَلَقْتُ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فَصَادَفْتُهُ وَمَعَهُ مِيسَمٌ [ أي حديدة ] فَلَمَّا رَآنِي قَالَ : لَعَلَّ أُمَّ سُلَيْمٍ وَلَدَتْ قُلْتُ نَعَمْ فَوَضَعَ الْمِيسَمَ قَالَ وَجِئْتُ بِهِ فَوَضَعْتُهُ فِي حَجْرِهِ وَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَجْوَةٍ مِنْ عَجْوَةِ الْمَدِينَةِ فَلَاكَهَا فِي فِيهِ حَتَّى ذَابَتْ ثُمَّ قَذَفَهَا فِي فِي الصَّبِيِّ فَجَعَلَ الصَّبِيُّ يَتَلَمَّظُهَا قَالَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : انْظُرُوا إِلَى حُبِّ الْأَنْصَارِ التَّمْرَ ، قَالَ : فَمَسَحَ وَجْهَهُ وَسَمَّاهُ عَبْدَ الله.
((ويستحب لك أن تعق عن المولود ذكرا كان أم أنثى ، ولكن الذكر يعق عنه بذبيحتين والأنثى بذبيحة هذا ما حث عليه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (( كل غلام رهينة بعقيقته تذبح عنه يوم سابعه ويحلق ويسمى
وعن عائشة رضي الله عنها : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهُمْ عَنْ الْغُلَامِ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ وَعَنْ الْجَارِيَةِ شَاةٌ
((واحرص عليها ولا تفرط فيها ففي الحديث الصحيح: (( الْغُلَامُ مُرْتَهَنٌ بِعَقِيقَتِهِ
((ومعنى مرتهن بعقيقته أي مبعد عن الانشراح والسعادة لذلك يقول بعض أهل العلم:(( ولهذا قل من يترك أبواه العقيقة عنه إلا وهو في تخبيط من الشيطان
وتذبح العقيقة في اليوم السابع فاحرص على ذلك ولا تؤخر العقيقة ، ولاحظ أخي الكريم أن العقيقة في اليوم السابع أي : إذا كان المولود قد ولد في يوم السبت فإن العقيقة تكون في يوم الجمعة ، فبعض الناس يظن أنه لو زرق بمولود في يوم السبت مثلا فإن العقيقة تكون في يوم السبت ، ولو حسبت الأيام لوجدت أن يوم السبت سيكون الثامن وليس السابع
والسنة أن يذبح شاة في العقيقة ، ويشترط فيها ما يشترط في الأضحية من ناحية السن والسلامة من العيوب
ومن أراد أن يعق عن أبنائه فهو مخير بين أن يأكل من لحم العقيقة أو يطعمها الأقارب أو الفقراء والمساكين
ولكن إذا صنع الإنسان وليمة فليحرص على الدعاء للمولود ، فعن معاوية بن قرة قال : لما وُلد لي إياس دعوت نفرًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فأطعمتهم , فدعوا فقلت: إنكم قد دعوتم فبارك الله لكم فيما دعوتم وإني أدعو بدعاء فأمِّنوا , قال : فدعوت له بدعاء كثير في دينه وعقله وكذا , قال: فإني لأتعرف فيه دعاء يومئذ
(( وقد بوب على هذا الأثر الإمام البخاري في كتاب الأدب المفرد بقوله: (( باب الدعاء في الولادة
فانظر إلى عظيم أثر الدعاء على صلاح الأبناء ، فأكثر من الدعاء للأبناء ، وإياك إياك من الدعاء على أبنائك فقد يوافق هذا الدعاء ساعة إجابة فيندم الإنسان ولا ينفع الندم بعد ذلك
ويستحب لك أن تحلق شعر المولود في اليوم السابع فقد مر علينا قبل قليل حديث حلق شعر المولود في اليوم السابع ويوزن الشعر ثم يتصدق على المساكين بما يعادل وزن هذا الشعر فضة , قال صلى الله عليه وسلم لفاطمة لما ولدت الحسن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره فضة على المساكين
وبالنسبة للحلق فالراجح والله أعلم أنه عام للذكور والإناث فالنساء شقائق الر جال كما قال عليه الصلاة والسلام
وقد ذكرت لك أخي الفاضل وأختي الفاضلة شيئا يسيرا من الأمور المتعلقة بالمولود وفي هذه الأحكام الشرعية بيان عناية الإسلام بالأبناء الصغار كي يكبروا على الخير والصلاح والفلاح فإن صلح أبناؤك كنت أنت المستفيد من ذلك قال عليه الصلاة والسلام : (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَيَرْفَعُ الدَّرَجَةَ لِلْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ يَا رَبِّ أَنَّى لِي هَذِهِ فَيَقُولُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَكَ
﴿ وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا ﴾
والله الموفق