:الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحابته أجمعين ، أما بعد
فالمسلم الصادق يتبع كتاب الله وسنة النبي صلى الله عليه وسلم في جميع المسائل حسب قدرته واستطاعته ، فالاستجابة لأمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام من أصدق علامات الإيمان ( يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ) ومعنى يحييكم أي : يصلحكم ، ومن الأحكام الشرعية التي ينبغي علينا التفقه فيها : الأحكام الفقهية المتعلقة بعدة الوفاة ، ويجب علينا أن ننتبه أن العدة بالنسبة للنساء على نوعين : عدة طلاق وعدة وفاة ، وسأذكر في هذه الأسطر بعض الأحكام المتعلقة بعدة الوفاة سائلا الله تعالى أن يكتب فيها النفع والخير والبركة
-عدة المرأة إن توفي عنها زوجها ولم تكن حاملا أربعة أشهر وعشرة أيام والدليل قوله تعالى : ( والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجا يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشرا ) ، وهذا الحكم يشمل المرأة المعقود عليها أو المدخول بها ، قال ابن قيم الجوزية : وأما عدة الوفاة فتجب بالموت سواء دخل بها أو لم يدخل اتفاقا
-عدة المرأة إن توفي عنها زوجها وكانت حاملا بوضع الحمل ، وإن طالت المدة عن أربعة أشهر وعشرة أيام أو قصرت ، قال الشافعي في الأم : ” وقول الأكثر من أهل العلم مع السنة أن أجلها إذا كانت حاملا وكل ذات عدة أن تضع حملها “.
وقال الحافظ ابن حجر في فتح الباري : “وقد قال جمهور العلماء من السلف وأئمة الفتوى في الأمصار إن الحامل إذا مات عنها زوجها تحل بوضع الحمل وتنقضي عدة الوفاة “
ودليل هذه المسألة حديث أم سلمة رضي الله عنها عند البخاري ومسلم ” قتل زوج سبيعة الأسلمية وهي حبلى، فوضعت بعد موته بأربعين ليلة، فخُطبت فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم “
-عدة المرأة إن مات عنها زوجها وكانت في عدة الطلاق الرجعي أربعة أشهر وعشرة أيام وتبدأ بحسابها من تاريخ الوفاة دون النظر إلى تاريخ الطلاق ما دامت في عدة الطلاق الرجعي ، قال ابن قدامة في المغني : “وإذا مات زوج الرجعية، استأنفت عدة الوفاة، أربعة أشهر وعشرا، بلا خلاف. وقال ابن المنذر أجمع كل من نحفظ عنه من أهل العلم على ذلك. وذلك لأن الرجعية زوجة يلحقها طلاقه، وينالها ميراثه، فاعتدت للوفاة، كغير المطلقة “
-لا تعتد المرأة عدة الوفاة إن مات عنها زوجها وهي في عدة الطلاق البائن بينونة كبرى في قول أكثر أهل العلم
-يحرم على المرأة المعتدة الزواج في مدة العدة : قال ابن كثير رحمه الله : “وقد أجمع العلماء على أنه لا يصح العقد في مدة العدة ” ، ومستند الإجماع قوله تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح حتى يبلغ الكتاب أجله )
– تحسب المرأة عدة الوفاة من تاريخ وفاة زوجها ، فلو مات زوجها ولم تعلم بوفاته إلا بعد مرور سنة فلا عدة عليها ، قال ابن عبدالبر : ” أجمعوا على أن كل معتدة من طلاق أو وفاة تحسب عدتها من ساعة طلاقها أو وفاة زوجها “
-وتعتد المرأة في بيت زوجها فلا يجوز لها الخروج منه ، جاءت الفريعة بنت مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأله أن ترجع إلى أهلها في بني خدرة، فإن زوجها خرج في طلب أعبد له أبقوا، حتى إذا كانوا بطرف القدوم لحقهم …فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم ، قالت: فخرجت حتى إذا كنت في الحجرة، أو في المسجد، دعاني، أو أمر بي، فدعيت له، فقال: كيف قلت؟ ، فرددت عليه القصة التي ذكرت من شأن زوجي، قالت: فقال: امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله ، قالت: فاعتددت فيه أربعة أشهر وعشرًا، قالت: فلما كان عثمان بن عفان أرسل إلي فسألني عن ذلك، فأخبرته فاتبعه، وقضى به. وراه مالك في الموطأ وأبو داود
ويجوز للمرأة أن تعتد في غير بيت زوجها إن كانت تخاف على نفسها في بيت زوجها كأن يكون بيت زوجها في مكان بعيد ويلحق المرأة ضرر واضح إن اعتدت فيه
كما يجوز لها أن تخرج للحاجة ثم تعود للمنزل بعد انتهاء حاجتها كالمراجعة الطيبة المهمة في المستشفى أو نحو ذلك
ويجوز لها الخروج لساحة المنزل الداخلية أو حديقة المنزل فهذا لا حرج فيه ولا يؤثر في العدة
-وعلى المرأة في عدة الوفاة أن تحد على زوجها وهذا بإجماع أهل العلم ، قال ابن قدامة في المغني: ” ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في وجوبه على المتوفى عنها زوجها إلا عن الحسن ؛ فإنه قال : لا يجب الإحداد ، وهو قول شذ به عن أهل العلم وخالف به السنة ، فلا يعرج عليه “
والإحداد : امتناع المرأة المتوفى عنها زوجها عن أمور مخصوصة في مدة مخصوصة ، فعن أم عطية رضي الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ” لا تحد امرأة على ميت فوق ثلاث، إلا على زوج، أربعة أشهر وعشرا “
:فالمرأة خلال عدة الوفاة يحرم عليها ما يلي
1-الطيب: قال ابن القيم رحمه الله : ” وصح عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال :تجتنب الطيب والزينة “
وأجمع أهل العلم على هذا قال ابن المنذر في الإشراف : ” أجمع كل من أوجب الإحداد على أن الحادة ممنوعة من الطيب ” ، وقال ابن قدامة : ” ولا خلاف في تحريمه عند من أوجب الإحداد “
ولا يدخل في الطيب بعض الزيوت أو الكريمات والمراهم غير العطرية كالفازلين أو الصابون العادي والشامبو فهذه الأمور لا ليست من الطيب ، أما لو كان الصابون من نوع عطري خاص فتتجنبه
2-الزينة في البدن أوالثياب : والدليل: قوله صلى الله عليه وسلم : المتوفى عنها زوجها لا تلبس المعصفر من الثياب، ولا الممشقة، ولا الحلي، ولا تختضب، ولا تكتحل. رواه أبوداود
قال ابن قدامة : ” اجتناب الزينة، وذلك واجب في قول عامة أهل العلم “
والمرأة المعتدة تلبس من الثياب ما هو عادي وطبيعي والذي تلبسه النساء في البيوت عادة ولا تلتزم لبس لون معين كالأسود وإنما تلبس ما شاءت من ثياب البيوت العادية
وعامة أهل العلم على المنع من لبس الحلي أيضا ذكره ابن قدامة بل حكاه ابن المنذر إجماعا فقال : ” وأجمعوا على منع المرأة المحدة من لبس الحلي “
3-الخضاب بالحناء وما يتصل به من تزيين البدن بالألوان: والدليل قوله صلى الله عليه وسلم في المتوفى عنها زوجها : ولا تختضب
ويدخل في ذلك صبغ الشعر واستخدام المكياج وما يتصل به
4-الاكتحال : لقوله عليه الصلاة والسلام عن المتوفى عنها زوجها : ولا تكتحل
–لا يجب على المرأة شيء حال انتهاء عدتها فبعضهم يتصور أن عليها الاغتسال بماء البحر أو غير ذلك وهذا لا دليل عليه
– على المرأة المسلمة أن تلتزم ما جاء به الشرع في مدة العدة والإحداد وعليها الانتباه أن العدة مسألة شرعية وبعض الناس عندهم مسائل مغلوطة حول أحكام العدة فيذكرون أمورا لا دليل عليها ويشددون على النساء تشديدا عظيما وهذا الأمر ليس من الشرع والدين فالعبرة بما ورد في الكتاب والسنة علىى فهم الأئمة
الله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين