:الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد
فمن أصدق علامات حب النبي عليه الصلاة والسلام : تعظيم سنته وهديه وحديثه ، فالمسلم الصادق إن ذُكر له حديث صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم صدّق به ولم يعارضه بعقله وهواه بل يسأل عن فقهه ومعناه ، وعلى هذا كان الصحابة الكرام رضي الله عنهم ، بل لهم القدح المعلى في تعظيم وتوقير سنته عليه الصلاة والسلام ، ومن الأدلة على ذلك ما رواه البخاري ومسلم عن سالم بن عبدالله أن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: لا تمنعوا نساءكم المساجد إذا استأذنكم إليها ، فقال بلال بن عبد الله: والله لنمنعهن، قال: فأقبل عليه عبد الله: فسبه سبا سيئا ما سمعته سبه مثله قط وقال: أخبرك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقول: والله لنمنعهن.
فغضب عبدالله بن عمر على ابنه بلال لأنه فهم من كلامه اعتراضه على حديث النبي عليه الصلاة والسلام.
وكان الصحابة الكرام إذا سمعوا وصية من النبي عليه الصلاة والسلام امتثلوا لها طيلة حياتهم ولو كانت في موضوع يسير فعند البخاري وسلم واللفظ للبخاري عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما أنه قال : كنت غلاما في حجر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكانت يدي تطيش في الصحفة، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا غلام، سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك. فما زالت تلك طِعمتي بعد.
أي لم تزل هذه هي طريقة أكلي منذ سمعت وصية النبي عليه الصلاة والسلام لي.
وفي أيامنا هذه على وجه الخصوص يبدي بعض الناس اعتراضات كثيرة على الأحاديث النبوية ، وجلها اعتراضات عقلية بسبب قصور فهمهم للأحاديث ، بل وقفتُ على من يشكك في صحيحي البخاري ومسلم وكتب السنة عموما ، ويَظهر أنه لولا خوفه من رد الناس عليه لصرح برد السنة النبوية والطعن فيها ، وهذه الاعتراضات أصلها وأساسها معارضة الوحي الشريف بالعقول القاصرة ، فيتصور من لا علم عنده بأن هذا الحديث يعارض آية قرآنية أو يُثبت حكما لم يفهم المعترض معناه جيدا فبدل أن يسأل أهل العلم الثقات عن هذه النصوص الشرعية يبادر بردها وعدم قبولها ، فأين تعظيم السنة ؟! بل أين حب النبي عليه الصلاة والسلام وتوقير كلامه ؟
ومن القصص الجميلة التي ذكرت في مناقب الإمام الشافعي رحمه الله أن رجلا سأله عن مسألة فأفتاه وقال: قال النبي صلى الله عليه وسلم كذا، فقال رجل: تقول بهذا؟ فقال: يا هذا أرأيت في وسطي زنارا ؟! أرأيتني خارجا من كنيسة ؟! أقول: قال النبي صلى الله عليه وسلم وتقول لي: أتقول بهذا؟
فكأن الشافعي رحمه الله يقول : فكيف يسعني بعد أن صح الخبر عن سيد الثقلين عليه الصلاة والسلام أن لا أقبله وأرده
والهجمة على السنة النبوية ليست وليدة الساعة بل حذر منها نبينا عليه الصلاة والسلام فعن المقدام بن مَعدي كَرِب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ، ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول: عليكم بهذا القرآن، فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه، وما وجدتم فيه من حرام فحرموه
فقاد الكبر والتيه والبطر هذا الرجل للاعتراض على سنة النبي الكريم عليه أتم الصلاة والتسليم بل زادت جرأته فرد السنة !! وأخشى أن يكون حال بعض أهل زماننا شبيها بحال من حذر منه النبي صلى الله عليه وسلم فجهلهم بالسنة النبوية شديد جدا ، ولقلة علمهم يردون السنة بالعقول القاصرة التي ابتليت بأمراض كثيرة من الشبهات والشهوات ، وتأملوا في هذه الكلمات القيمة التي سطرها ابن القيم في الرسالة التبوكية : ” فأقسم سبحانه بأجل مقسم به وهو نفسه عز وجل على أنه لا يثبت لهم الإيمان، ولا يكونون من أهله، حتى يحكموا رسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع موارد النزاع في جميع ابواب الدين… ولم يقتصر على هذا حتى ضم إليه انشراح صدورهم بحكمه حيث لا يجدون في أنفسهم حرجاً وهو الضيق والحصر من حكمه، بل يقبلوا حكمه بالانشراح، ويقابلوه بالتسليم لا أنهم يأخذونه على إغماض، ويشربونه على قذى، فإن هذا مناف للإيمان، بل لابد أن يكون أخذه بقبول ورضا وانشراح صدر ، ومتى أراد العبد أن يعلم هذا فلينظر في حاله، ويطالع قلبه عند ورود حكمه على خلاف هواه وغرضه أو على خلاف ما قلد فيه أسلافه من المسائل الكبار وما دونها ( بَلِ الأِنْسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ ) فسبحان الله! كم من حزازة في نفوس كثير من الناس من كثير من النصوص وبودهم أن لو لم ترِد؟ وكم من حرارة في أكبادهم منها، وكم من شجى في حلوقهم منها ومن موردها ، ستبدو لهم تلك السرائر بالذي يسوء ويخزي يوم تبلى السرائر
فإذا صح الخبر عن النبي عليه الصلاة والسلام فإياك أن ترد السنة أو تستهزئ بها أو تظن أن السنة لا تناسب عصرنا وزماننا !! بل اسأل عن فقه الحديث ومعناه ، وراجع أهل العلم الثقات ، فإذا بينوا لك معنى الحديث النبوي فأظهر تعظيم السنة وحكّمها على نفسك وهواك فمن علامات الإيمان الكامل استجابتك لأدلة الكتاب والسنة